الفرص التنموية التي تتيحها الموارد البحرية لإفريقيا .. رؤية استراتيجية واستلهام من المبادرة المغربية
الفرص التنموية التي تتيحها الموارد البحرية لإفريقيا .. رؤية استراتيجية واستلهام من المبادرة المغربية.
تعد الموارد البحرية من أهم الأصول الطبيعية التي تمتلكها القارة الإفريقية، نظرا لما تزخر به من سواحل طويلة تمتد لأكثر من 30 ألف كيلومتر، وتطل على المحيط الأطلسي، المحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط، هذه الجغرافيا الغنية تمنح إفريقيا قاعدة فريدة لتنمية الإقتصاد الأزرق واستغلال ثرواتها البحرية في مجالات متعددة، تمس الأمن الغذائي، الإقتصاد، البيئة، والطاقة.
إن ما يسمى بـ”الاقتصاد الأزرق” يشمل أنشطة متنوعة، من الصيد البحري وتربية الأحياء المائية، إلى السياحة البحرية والنقل والطاقة المتجددة المستخرجة من البحار (كالطاقة الموجية وطاقة الرياح البحرية)، وتشير تقارير التنمية الإفريقية إلى أن هذا القطاع، إذا تم تطويره وإدارته بشكل مستدام، يمكن أن يسهم بمليارات الدولارات في الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول الإفريقية، ويوفر ملايين فرص الشغل، خاصة في صفوف الشباب والنساء.
ومن أبرز فرص التنمية التي تتيحها الموارد البحرية:
1. تعزيز الأمن الغذائي:
الثروات السمكية الهائلة قادرة على تأمين مصدر بروتيني أساسي لملايين الأفارقة، في ظل تصاعد معدلات سوء التغذية في بعض المناطق.
2. تنشيط الإقتصاد وخلق فرص العمل:
تطوير البنى التحتية للموانئ، وتحسين سلاسل القيمة في قطاع الصيد، يمكن أن يرفع من القيمة المضافة المحلية ويخلق فرصا واسعة للتشغيل.
3. التحول الطاقي:
إفريقيا تملك فرصا هائلة لتوليد الطاقة النظيفة من البحر، سواء من خلال طاقة الأمواج، التيارات، أو مزارع الرياح البحرية، مما يسهم في الحد من التبعية للطاقات الأحفورية وتحقيق الإنتقال الطاقي.
4. السياحة الساحلية والبيئية:
توفر الشواطئ الإفريقية المتنوعة، والبيئات البحرية الفريدة، إمكانيات كبيرة لتطوير سياحة مستدامة ذات مردودية إقتصادية وبيئية عالية.
غير أن تحقيق هذه الأهداف لا يمكن أن يتم دون مواجهة تحديات حقيقية، أبرزها ضعف الحاكمة البحرية، التلوث، الإستقلال المفرط للثروات، الصيد غير المشروع، وقلة التمويل والتكنولوجيا.
وفي هذا السياق، يبرز الدور الريادي للمملكة المغربية كنموذج يمكن لباقي الدول الإفريقية استلهامه، فقد أطلقت المملكة، في السنوات الأخيرة، استراتيجية طموحة لتنمية الإقتصاد الأزرق، ضمن رؤية شاملة ترتكز على الإستدامة، الحماية البيئية، وتنمية المجالات البحرية.
ومن أبرز المبادرات المغربية:
-المبادرة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، التي تهدف إلى جعل واجهة المحيط الأطلسي فضاء للحوار الإستراتيجي، والأمن الجماعي، والحركية والتكامل الإقتصادي، على أساس حكامة غير مسبوقة ذات طابع جماعي وتعبوي وعملي.
إن رؤية جلالة الملك لإفريقيا الأطلسية، ستسهم لا محالة في تثمين المحيط الأطلسي، وأنها لا تقتصر على الدول المطلة على ساحله فقط، بل تتعداها لتشمل أيضا دول الساحل التي يتعين عليها أن توفر منفذا بحريا مهيكلا وموثوقا به.
-مخطط “أليوتيس” الذي يهدف إلى تطوير قطاع الصيد البحري وتحديث سلاسله الإنتاجية واللوجستيكية.
-إنشاء مراكز بحث وتكوين في العلوم البحرية وتربية الأحياء المائية.
-الإستثمار في الموانئ الجديدة مثل ميناء “الناظور غرب المتوسط” وميناء “الداخلة الأطلسي” لتعزيز الربط التجاري البحري.
-الإنخراط في مبادرات إقليمية ودولية لحماية البحار، مثل اتفاقيات مكافحة التلوث والصيد غير القانوني.
كما دعا المغرب، في إطار قمة المناخ (كوب 22)، إلى اعتماد الإقتصاد الأزرق كخيار استراتيجي لتنمية إفريقيا، مؤكدا على ضرورة تعزيز التعاون جنوب-جنوب في هذا المجال، خاصة من خلال تبادل الخبرات والتجارب…
و في الأخير يجب التأكيد على أن الموارد البحرية تمثل كنزا حقيقيا لإفريقيا، لا ينبغي أن يظل غير مستغل أو مستنزف بطريقة عشوائية. بل يجب أن يكون ركيزة لنمو اقتصادي مستدام وعادل، يستند إلى الإدارة الرشيدة، الإبتكار، والتضامن الإقليمي.
والمبادرات الرائدة مثل تلك التي تقودها المملكة المغربية، تقدم نموذجا عمليا لإمكانية التوفيق بين التنمية والحفاظ على البيئة البحرية، في أفق بناء قارة إفريقية قوية، متكاملة، وذات سيادة على مواردها.
عمر المصادي