swiss replica watches
نوال السعداوي: أتكون الطفلة ملحدة؟ “مقال منع من النشر في مصر” – سياسي

نوال السعداوي: أتكون الطفلة ملحدة؟ “مقال منع من النشر في مصر”

مقال لنوال السعداوي الذي منع من النشر في جريدة الأهرام

أتكون الطفلة ملحدة ؟
—————————————

د نوال السعداوي
———————-

منذ طفولتي أتطلع الي الفضاء ، أحاول رؤية العفاريت التي أسمع أنها تختفي هناك ، وكانت عيناي، رغم نفاذهما ، لا تريان إلا النجوم بالليل والعصافير بالنهار

لأول مرة في حياتي سمعت كلمة ” الله” ، تخرج من فم جدي ( والد أمي ) مشوبة بنكهة تسميها جدتي مشروبات روحية ، تمط بوزها في وحه زوجها وتهمس في أذني : جدك لا يعرف الله ويضيع الفلوس علي النساء والخمر ، ولم يكن جدي الآخر ( والد أبي) يختلف عن والد أمي فيما يخص النساء والمسكرات ، لكنه مات قبل أن أولد ، لحسن حظي ، وسمعت عمتي تقول أن جدتي أطلقت زغروتة ممدودة للسماء بعد موت جدي ،
أما أبي فكان رجلا مستقيم الأخلاق ، لا يسكر ولا يخون أمي ، وسمعته يقول أن الله هو الصدق والاخلاص والعدل والحرية والحب والجمال ، وأنه كامن علي شكل “الضمير الحي” داخل كل إنسان ، رجل أو إمرأة ، دون تفرقة بينهما ، هكذا أصبح الإيمان ، في نظري ، هو العدل والصدق والحرية والحب والجمال والمساواة بين البشر ،
وإتهمني المدرس في طفولتي بالإلحاد لأن إيماني يختلف عن إيمانه ، وكان يؤمن أن الأولاد أفضل من البنات ، ويري الله علي شكل حروف مطبوعة في الكتاب ، ثم يطلب مني حفظها عن ظهر قلب دون فهم ، وفي يوم رآني أكتب إسم أمي علي كراستي بدلا من إسم جدي ، فطردني من الفصل ، وأصبح عندي الوقت لأقرأ الكتب خارج المقرر المدرسي لحسن حظي ،

كان سيجموند فرويد يعتبر الأديان ظاهرة بشرية بدأت تاريخيا بشكل عصاب جماعي ، أما إريك فروم فقد تجاوز الحدود النفسية للظواهر الدينية ، وحاول الدخول الي المجالات السياسية والاجتماعية والفلسفية ، ويستمر الأطباء والعلماء في بحوثهم ، داخل النفس البشرية وخارجها ، لمعرفة أسباب الإيمان الديني وعدم الإيمان ، أو ما يسمونه : الإلحاد
مع تصاعد التيارات السياسية الدينية في هذا القرن الواحد والعشرين ، صدرت الكثير من الكتب عن الإلحاد ، وكأنه مرض نفسي يغزو الشباب ، وعلاجه عند الطبيب ، وأدت هذه الأفكار الي إثراء الأطباء ، وإفقار العقل المصري ،
قرأت مؤخرا لطبيب مصري يؤكد أن الإلحاد مرض نفسي ، يعني عدم الإيمان بالرب خالق الكون كما جاء في الكتاب ، وأكد أيضا أن علم نشوء الكون ليس علما ، ونظريات التطور ( التي تنكر نظرية الخلق الدينية) باطلة ونوع من الإلحاد ، وأن هذا الإلحاد ينتشر بين الشباب مثل الاكتئاب وأنفلونزا الخنازير ،
يروج لهذه الأفكار بعض أطباء النفس ، لا تختلف أفكارهم كثيرا عن رجال الدين التقليديين ، ورثوا دينهم عن الآباء والجدود ، لم يعرفوا إلا القليل عن العقائد والأديان المختلفة في العالم ، يتصورون أن الإلحاد هو عدم الإيمان بما آمنوا به ، وأنه نقصان في العقل أو مراهقة فكرية وإحساس بالنقص ، أو غرور أحمق و سعي وراء الشهوات ،
أربعة مليار من البشر ( أكثر من نصف سكان الأرض ) لا يؤمنون بأي دين ، يعيشون في الصين والهند واليابان ، لا يسعون وراء الشهوات بل وراء العمل المنتج المتقن ، يتمتعون بكفاءة عقلية عالية ، وثقة بالنفس كبيرة ، جعلت بلادهم تتفوق علي بلاد العالم ،
وأكثر من نصف الشعوب في أمريكا وأوروبا ، لم يرثوا الدين ، ولم يلقن لهم في المدارس ، لكن تربي عندهم ضمير حي ، منذ الطفولة ، وإيمان بالعدل والمساواة والحرية والكرامة ، يخرجون في مظاهرات ضد حكوماتهم ، أو ضد أي حكم ظالم مستبد في أي بلد في العالم ،

وهناك ملايين ورثوا دينهم في العائلة ، وتم تلقينه لهم منذ الطفولة في المدارس ، وأصبحوا يؤمنون أنه الحقيقة المطلقة وغيره باطل ، ولم تعد لديهم القدرة علي التفكير بطريقة أخري ،

تحتاج القوي السياسية الحاكمة ( شرقا وغربا) للعقائد والأديان ، من أجل السيطرة علي عقول الشعوب وتقسيمهم طائفيا ، ويحتاجها الإنسان (الفرد ) أيضا ، لتحمل مأساة موته ، وقد تطور المخ لدي الإنسان فأدرك أنه سيموت حتما ، لا فرق بينه وبين النباتات والحيوانات ، لكن مخ هذه الكائنات ، لم يتطور مثل مخ الانسان ، ولم يصل الي الوعي بحقيقة الموت أو العدم ، ،
يحاول الإنسان عن طريق خياله إنكار العدم ، يتصور نفسه موجودا في حياة بعد الموت ، هذه المسافة بين الخيال والحقيقة ، أو بين الحلم والواقع ، مرحلة في عمر التطور أو التاريخ البشري اللانهائي ، يجتازها الإنسان بالإبداع الفني والديني أيضا ،
لا ينبع الخيال من الفراغ ، بل من خلايا الفص الأمامي للمخ ، حيث تتمركز المشاعر والأحاسيس وذكريات الطفولة والمواهب الفنية والفكرية ،
وتسعي البحوث العلمية الجديدة لكشف الشفرات الجينية وأسرار المخ البشري وقدراته المذهلة علي الخيال واكتشاف حقائق الطبيعة وقدرات الانسان ،
من كان يحلم باستخدام الالكترونات للتواصل فوق كوكب الأرض في زمن أقل من غمضة عين ؟ ومن كان يتخيل الالكترونات في الفضاء ، الذي كان في طفولتنا ملئيا بالعفاريت ؟ ،
وإن أنكرت الطفلة وجود العفاريت وآمنت بأن الله هو العدل والمساواة والصدق والحرية والحب والجمال فهل تكون ملحدة ؟

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*