فنجان بدون سكر:
في دفاعٍ هادئ عن دور المعارضة: حزب التقدم والاشتراكية نموذجًا:
بقلم عبدالهادي بريويك
في المشهد السياسي الوطني، حيث تتقاطع المسؤولية بالحساب، ويتشابك الواجب الوطني مع تعقيدات الممارسة الديموقراطية، يصبح الحديث عن المعارضة، في عمقها ومضمونها، ضرورة تقتضيها مصلحة الوطن، لا ظرفية الأحزاب. ومن هنا تبرز أهمية استحضار الموقف الذي عبّر ويعبر عنه حزب التقدم والاشتراكية، باعتبار المعارضة البرلمانية “واجبًا وطنيًا ودستوريًا”.
ليست هذه العبارة مجرّد توصيف لغوي أو خطاب حزبي نمطي، بل هي إحالة على جوهر الفعل الديموقراطي في توازنه البنيوي: فلا حكومة قوية دون معارضة واعية، ولا إصلاح فعلي دون صوتٍ يراقب ويقوّم، ولا مؤسسات منتخبة لها مصداقية دون التعدد والتنوع داخلها.
لقد اختار حزب التقدم والاشتراكية موقع المعارضة، ليس انسحابًا من مسؤولية المشاركة، بل تحولاً نابعًا من قناعةٍ بأن الرقابة الصادقة، والنقد الرصين، هما من أرقى أشكال خدمة الوطن. ومن المثير للتقدير أن هذا الاختيار جاء من حزبٍ عُرف بتاريخه النضالي الطويل، وتجربته الوازنة في تحمل المسؤولية الحكومية، مما يضفي على معارضته عمقًا مؤسساتيًا وفكريًا يتجاوز منطق الانفعال.
بل إن هذا التموضع، كما عبّرت عنه قيادته، يستند إلى رؤية واضحة: بأن الفاعل السياسي، إن لم يكن قادرًا على تنفيذ مشروعه الإصلاحي من موقع السلطة، فإنه قادر على الإسهام في حماية التوازن الوطني من موقع المعارضة المسؤولة، الواقفة على قاعدة احترام المؤسسات، والانتصار لقيم العدالة الاجتماعية، والتحديث السياسي، والارتقاء بوعي المواطن.
وإذا كنا ننتقد، أحيانًا، ميوعة الخطاب السياسي ومحدودية الأداء البرلماني، فإننا مدعوّون أيضًا إلى تثمين تلك المبادرات التي تسعى إلى إعادة الاعتبار للسياسة كفنٍّ للنقاش العمومي الهادئ، وليس فقط كصراع مواقع.
ومن هذا المنظور، فإن حزب التقدم والاشتراكية، في لحظته الراهنة، لا يدافع عن نفسه فقط، بل يدافع – موضوعيًا – عن مبدأ المشاركة من خارج الحكومة، ويُرسّخ بوعيٍ كبير فكرة أن المعارضة لا تعني الخصومة، بل تعني الحرص على تصحيح المسار دون المساس بمبدأ الاستقرار.
إن إنصاف هذا التوجه، هو في حقيقته إنصافٌ للديموقراطية ككل، ودعوة صريحة لإعادة النظر في طبيعة العلاقة بين السلطة والمعارضة، بعيدًا عن لغة الاتهام أو منطق الإقصاء.
وختامًا، لعلنا في حاجة اليوم إلى أن نرتقي بخطابنا السياسي من منطق الغلبة إلى منطق التشاركية، ومن لغة التحامل إلى لغة التقدير المتبادل، لأن أوطانًا مثل أوطاننا لا تبنى بتغليب كفة على أخرى، بل بتكامل الأصوات، واختلاف الرؤى، في إطار الوحدة والاحترام المشترك.