swiss replica watches
في المسألة التعليمية، ازدواجية المواقف تشكك في هوية ووطنية أصحابها !!! – سياسي

في المسألة التعليمية، ازدواجية المواقف تشكك في هوية ووطنية أصحابها !!!

محمد إنفي

يقال: “التعليم في الصغر كالنقش على الحجر”.
وتلخص هذه الجملة أهمية التعلم في سن مبكرة. ويتم التعليم والتعلم، كما هو معلوم، بواسطة لغة معيارية.

واللغة المعيارية ليست هي لغة الأم التي ينحصر دورها في التواصل اليومي. يمكن الاستعانة بهذه اللغة في التفسير والتوضيح، خاصة في السنوات الأولى، لتحصل الفائدة، لكنها لن تنوب عن لغة التدريس؛ وبالأخص في بلد مثل المغرب حيث تتميز لغة الأم بالتعدد والتنوع.
نعرف جميعا أن لغة الأم عند الطفل المغربي، هي، عامة، إما إحدى لهجات اللغة الأمازيغية أو أحد فروع العامية المغربية (يحكي الطفل الطنجاوي، عبد الرحمان اليوسفي، في مذكراته، عن الصعوبة التي اعترضته، بعد وصوله إلى مراكش، في التواصل مع زملائه سواء في الفصل الدراسي أو في القسم الداخلي؛ وذلك بسبب تنوع اللهجات)، بما فيها اللغة الحسانية؛ يضاف إلى ذلك لغة بعض الأقليات كالعبرية، مثلا.
أما اللغة العربية الفصحى، ورغم كونها لغة رسمية، فتداولها ينحصر في وسائل الإعلام، الرسمية بالخصوص، وقاعات الدرس وخطب الجمعة… أما تعلمها فيتم في المدرسة، كما هو الشأن بالنسبة للغات الأخرى كاللغة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية وغيرها. وينطبق نفس الشيء على اللغة الأمازيغية المعيارية، خاصة بعد أن أصبحت لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. وبهذه الصفة، فقد أصبح لزاما على الدولة أن تعتني باللغتين معا وتحافظ على مخزونهما الحضاري والثقافي.
وتعلُّم أية لغة، كتابة وقراءة أعني، تتطلب من الطفل (وينطبق نفس الشيء على تعليم الكبار)، حتى وإن كانت لغة الأم، التعرف على الحروف التي تكتب بها وعلى الحد الأدنى من القواعد التي تضبط الكتابة والقراءة؛ بينما لغة التواصل اليومي تكتسب بالسماع والاستعمال.
واعتبارا لحاجة بلادنا إلى العلوم والتكنولوجيا، فإن الحاجة إلى تعلم لغات البلدان المتقدمة (أو، على الأقل، لغة البلد الأكثر تقدما) في هذه المجالات، أصبحت ملحة، في انتظار أن تصبح اللغتان الرسميتان لبلادنا قادرتين على منافسة، علميا وتكنولوجيا أقصد، لغات البلدان المتقدمة. فالطبيب والمهندس (في جميع فروع الهندسة) والتقني والفاعل أو العامل في مجال السياحة وغير ذلك من المجالات التي تتوقف أنشطتها على إتقان اللغات الأجنبية، لن يكون مستواهم جيدا، ما لم يتقنوا، على الأقل، لغتين أجنبيتين من اللغات الأكثر انتشارا وتقدما في مجال العلم والتكنولوجيا.

وتجدر الإشارة إلى أن عدم تمكن خريجي التعليم العمومي من اللغات الأجنبية ولغة العلم والتكنولوجيا، يكرس التخلف المعرفي والفكري ويزيد من تبعية بلادنا الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية ويلقي بجزء كبير من شبابنا في أتون البطالة والضياع بسبب افتقادهم للمهارات التي تكتسب عن طريق العلوم التطبيقية.
ولهذا السبب، أشك، شخصيا، في هوية ووطنية كل شخص لا يتورع عن رفع عقيرته دفاعا عن تدريس المواد العلمية باللغة العربية، بينما أبناؤه درسوا أو يدرسون في البعثات الأجنبية. فأمثال هذا الصنف من الناس، سواء كأفراد أو كجماعات، لا يستحقون أي احترام؛ بل، بالعكس، فما يليق بهم هو الاحتقار؛ ذلك أنهم مخادعون ومضللون وكذَّابون…
وبهذه الصفات، فهم ممقوتون بمنطوق رباني: “كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”. وبسبب نفاقهم الاجتماعي والسياسي المتمثل في الازدواجية (ازدواجية الخطاب والموقف، والمتمثلة في التناقض بين القول والفعل) التي تضعهم، أخلاقيا، في خانة الذين ينهون عن شيء ويأتون مثله، فيستحقون بذلك الخزي والعار والصغار بمنطوق الشاعر (أو الأسود الدؤلي):
“لا تنه عن خلق وتأتي مثله… عار عليك إذا فعلت عظيم”.
بالمقابل، أقدر عاليا من يدافع، قناعة وليس خداعا أو نفاقا، عن تدريس المواد العلمية باللغة العربية ويطبق ذلك على أبنائه، انسجاما مع قناعته. فأمثال هذا الصنف من الناس يستحقون الاحترام لأن ظاهرهم ينسجم مع باطنهم وفعلهم لا يتناقض مع قولهم.
لكن هذا لا يعطيهم الحق في أن يفرضوا رأيهم على غيرهم. فحرية اختيارهم تنحصر فيما يخصهم ويخص أبناءهم؛ وليس لهم الحق في أن يعملوا، لوحدهم أو بتنسيق مع أصحاب الخطاب المزدوج، على رهن مصير البلاد لقناعاتهم التي تتناقض والمصلحة العامة.
وللتذكير، فوزير التعليم (الدكتور عز الدين العراقي) الذي تم التعريب في عهده، كان طبيا؛ والأصح، كان أستاذا في كلية الطب. ومما يحكى عنه (صدقا أو كذبا، الله أعلم) أنه كان “عنصريا”، بحيث خاطب أحد طلبته، وكان اسمه “حدو”، بالقول: “حتى حدو بغا يولي طبيب؟”
ولما قدم مشروعه “التخريبي”، عفوا “التعريبي” إلى الملك الراحل الحسن الثاني وافقه على طول. وقد كان الهدف من هذا القرار، هو تجهيل أبناء الشعب المغربي؛ خاصة، بعدما لوحظ أن أبناء الطبقات الشعبية بدئوا يلجون المناصب المهمة بفضل تفوقهم في الدراسة والحصول على أعلى الشهادات. وما كان يزعج الملك الحسن الثاني، في هذا الباب، هو أن تعلم أبناء المغاربة، كان يحولهم إلى يساريين معارضين، فتقرر نسف قنطرة الترقي الاجتماعي والسياسي والثقافي والفكري، أي التعليم؛ وذلك بتخريبه عن طريق التعريب.

لقد كان قرارا سياسيا خطيرا. وقد تجلت خطورته في التدني الذي عرفه ويعرفه مستوى خريجي تعليمنا وفي التخبط الذي لا يزال يعيش فيه هذا التعليم إلى يومنا هذا.

وكخلاصة لهذا المقال المتواضع، أحيل على مقال سابق بعنوان ” الحسابات الضيقة لأصحاب القرار كلفتها ثقيلة على المستقبل” (انظر “الحوار المتمدن” بتاريخ 7 أبريل 2019، موقع فرعي باسم محمد إنفي) لمعرفة الأسباب الحقيقية (أو، على الأقل، البعض منها) لما نعيشه اليوم من مشاكل.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*