swiss replica watches
فتحي يكتب: أصحاب ولا أعز..حين تغتال سينما مابعد الحداثة الإنسان – سياسي

فتحي يكتب: أصحاب ولا أعز..حين تغتال سينما مابعد الحداثة الإنسان

خالد فتحي
أصحاب ولا أعز..حين تغتال سينما مابعد الحداثة الإنسان

دفعني النهم الثقافي الذي يسكنني الى أن أشاهد فيلم “أصحاب ولا اعز” على منصة نيتفلكس،اذ رغم انني لست ممن يجرون وراء الإثارة منذ أن وعيت أثرها المدمر على الحضارة والعلاقات الإنسانية،إلا أني  تفرجت على ابطال هذا الشريط،بعد أن لم يعد ممكنا  أن استمر على حيادي  خصوصا بعد  الضجة التي خلفها في العالم العربي ،وموجة الانتقادات التي طالته، والتي كانت بدورها مدعاة لهجوم معاكس من طرف من ينصبون أنفسهم حراسا “بدون هوادة”  “للابداع بلاحدود ” ممن يفعلون ذلك دونما تروي او تمحيص، حتى حينما يكون الإبداع  وحشيا يلغي ويقتل  الانسان الذي من المفروض أنه يتوجه إليه.

او كان مجرد قفز نحو المجهول دون تبين المآلات الغامضة التي يدفع نحوها.
من المؤكد أولا أن الصورة وسحرها صارا اليوم من وسائل التأثير الأيديولوجي والحضاري، بل وسيلة فعالة من وسائل الاستعمار والتغرير  اللذان  يتجددان و يغيران أسلوبهما   باستمرار، حتى ماعدنا نحتاج  السيطرة على الأرض مادام يامكاننا غزو عقل الإنسان واستعباده وضمه الى مشروعنا من خلال استلابه ثقافيا .
عندما نناقش أي عمل فني او إبداعي كيفما كان ،  هناك أولا  النقاش الذي ينصب على الشكل ،وهنا قد بدا لي أن العمل ضحل جدا، لولا أن شهرة النجوم واداءهم قد غطيا  بتفوق كبير على هذه الضحالة، فقد دارت الأحداث كلها في منزل واحد وبين صالون الضيوف والمطبخ والحمام وحديقة المنزل، أنه لمن مفارقات هذه الضحالة انها أسفرت مع ذلك  عن عمل أثار كل هذا الجدل دون أن يكلف اصحابه الكثير ،مما  يدل على أن العالم العربي والإسلامي قد تم اختصاره على شساعته  في منزل ولمة أصدقاء ، فكان في العمق هو  فضاء الفيلم الحقيقي الذي تدور فيه أحداث  الشريط  .

هنا تنقلب المقاربة رأسا على عقب، مما يفرض أن  نركز  النقاش اكثر على الجانب الثاني للنقد وهو نقد  الفحوى ، أو  الرسالة المرادة ،او بالأحرى الخطاب والأثر الذي يتوخاه المنتجون لهذه السلعة السينمائية او على الأصح لهذا السلاح الحربي الفتاك ، فضحايا الحروب ليسوا دائما ارواحا تزهق،  بل هم  أيضا قيم ومبادئ وذاكرة وهوية وموروث وفرادة تاريخية تتحدى ويخطط لها كي تندثر .فقد تغيرت الحروب كثيرا حتى أنها اصطلاحا قد تعني في مقبل الأيام أفلاما ومسلسلات.

إن  الفيلم كثيف جدا على هذا  المستوى بايحاءاته ومخرجاته وأوامره المبطنة إلى العقل الجمعي العربي و كذا لطبيعة الانقلاب في الأفكار والقناعات  التي يحرض انبثاقها في بنية هذا العقل .

 

خالد فتحي..

يريد الشريط أن يثبث الكثير.ومن ذلك  :
اولا :أن العرب يعيشون حالة من الفصام بين القيم التي يعلنونها وتلك التي يحيون عليها في واقعهم المعيش،فيعتبر أن تلك الشلة هي كل أطياف المجتمع العربي ،  وبالتالي هو  يعطي مبررا لذلك البعض ممن  تردى  بشعوره وفى حياته الواقعية الى المنحدرالتفكيكي التي سقط فيه  الغرب مفاده أن كل العرب والمسلمين سواء ،وان من لازالوا منهم متشبتين بشعارات الهوية والمحافظة ليسوا سوى خداعين مرائيين ومنافقين، او بأحسن الاحول مجرد  علمانيين ضالعين في العلمانية كباقي البشر، لكنهم  فقط لايشعرون  ،ولو اننا نبحث وننقب كما فعل ابطال الفيلم حين كشفوا سوأة مكالماتهم الهاتفية على العلن ، لتوصلنا نحن أيضا  لهذه “الحقيقة”. حقيقة أننا صرنا في هذا العالم  نمطا واحدا من الأفراد والمجتمعات.

وهذه بالطبع رسالة غير صحيحة تريد أن توهمنا أنه لا فائدة من الوقوف في وجه هذا المد الجارف للحياة الخالية من القيمة التى تقدم تدليسا بكونها الحداثة الواجبة على الجميع.أو بالأحرى مابعد الحداثة التي التي يستحثنا الفيلم على ولوجها.
الرسالة الثانية،  هي أن الشهامة والشرف والنجدة والغيرة هي مجرد أمور معنوية ،وبالتالي هي قيم غير كمية لايمكن حسابها كما نحسب القيم المادية الكمية.

فعندما نطلق العنان مثلا  للغرائز نستطيع أن نحسب ماحصلنا عليه من خلال حساب اللذة .وهذا ما ظهر جليا في الشريط  حين تخلي الاب عن واجب الرقابة على ابنته التي تستشيره في شأن المبيت عند صديقها فيترك الخيار لها لتقرر بنفسها علاقاتها ضاربا كل مثل الإباء في الصفر.هذا الاغتيال العمدي للمروءة هو تطويع للذهنية والشخصية العربية لكي تتخلى عن كل ماهو مقدس وما هو معنوي.

لان كونه معنويا يجعله في  نظر منتجي الشريط غير موجود ،أو في احسن الحالات متخلفا عن العصر الذي لا يؤمن إلا بما هو مادي .

كل هذا   لتسهيل الاختراق الثقافي والقيمي وسلخ الشعوب العربية  عن هويتها  وجذورها وإبعاد كل الشعوب في الحقيقة عن السليقة و الفطرة السليمة .

لم يستطع الاب لأنه “عصري”و “ديمقراطي” و”منفتح” أن يفعل غيرته، ولم تتمكن البنت أن تفعل عفتها لأن الغيرة والعفة في نظر الأصولية العلمانية التي يروج لها الفيلم ليستا بقيمتين ماديتين يمكن لمسمهما للاعتراف بوجودهما.  حبكة الفيلم بئيسة جدا، لكنها  مع بلادتها تنطلي على المغفلين ،وتخلب لب النخب الانتهازية المستلبة من طرف النموذج التفكيكي المادي و التي لاتنفذ الى المعنى والخطر  الكامن  من وراء الصور والأحداث والايحاءات .

اذ تقوم خديعة الفيلم  على محاكمة السلوك العربي كما لو أن المفروض فينا أننا بحكم كوننا مسلمين علينا أن نكون ملائكة أيضا ،ولذلك هي تستغل ظواهر موجودة بالفعل في مجتمعنا العربي لأجل القيام بتعويض قيمنا بقيم أخرى غريبة عنا لا تحظى بالقبول النفسي لدينا ولو حضرت على مستوى بعض السلوك . فالمثل لا  تتحقق دائما وأبدا  مائة في المائة لانها  من العالم الميتافيزيقي  المفارق  لعالمنا.و نحن لسنا في عالم مثالي..

هي معنا لأجل أن تكون بوصلة لنا، أن تشكل لنا المثال الذي  نرنو إليه، و الذي بدونه نتيه ونضيع في هذه الحياة المليئة بالخطايا والاثام .المثل هي المرجعية .و الفيلم يعدم كل  مرجعية غير دنيوية ،ويحل محلها مرجعية السوق المادية ،ولا شيء غير السوق.
هذا الشريط يتمسح بقيمة الإبداع ليحقق غاية ايديلوجية،ومن انبروا للدفاع عن منى زكي وهي تخلع سروالها، وعن بقية ابطال الفيلم وهم يتعرون تباعا امامنا من خلال مكالمات الهاتف الخلوي المكشوفة ، انما يفعلون ذلك تحت شعار قدسية حق الإنسان في الإبداع وفي التعبير ولكنهم ينسون أن  قدسية الإنسان نفسه تذوب أمام هكذا ابداع.

هذا الفيلم سقط في تناقضات قد لاننتبه لها. فعندما تكتشف منى زكي مثلا  أنها لا تعرف زوجها، و تسيل عبراتها من هول الصدمة،فهذه العبرات دليل استيقاظ الإنسان فيها  الذي يرفض الخطيئة ودليل انتصار مرجعية الإنسان على مرجعية الإبداع وعلى مرجعية الحرية الفردية المطلقة التي تتفلت من رقابة الالاه .
ومع ذلك ففي النهاية ،يصر الفيلم على أن يغتال فينا هذا   الإنسان، فيخرج الجميع من ليلة الاعترافات  كل مع زوجته الخائنة أو زوجه الخائن ،وقد طووا الصفحة ،وكان لا شيء قد حدث ، يخرجون وقد صاغوا لنا مفهوما جديد للانسان الذي عليه أن  يتشكل وفق رغبات السوق والايديلوجيات المادية ، فللزوجة أن تكون لها حديقتها الجنسية الخلفية و  علاقاتها الحميمية مع من تحب.و لها الحق أن تتزوج بآخر غيره، ولو كانت له أيضا علاقاته الخاصة ، للزوجة أن تمنح رسائلها النصية على هاتفها لشخص،و الجنس لآخر،وقلبها لغيرهما،ورحمها للانجاب لواحد آخرغيرهم جميعا. وهكذا وبعد تفكيك الأسرة يتم تفكيك المرأة نفسها إلى أقصى حد ، لكأن الممثلين  يودون أن يرسلوا لنا إشارة الى أن الخصوصية تعلو على كل شيء بمافي ذلك علاقة الحب والزوجية. هم يغرسون باسم الحرية  اسفينا بين الحب والزواج الذين ليس من الضروري أن يكونا متلازمين.  وبذلك يبلغون كما قلت  بالأسرة او لنقل بنموذج الأسرة المعروف عبر التاريخ  ذروة التفكيك الذي تسعى إليه اصوليتهم العلمانية او ماديتهم  الصلبة او على الادق يبلغون بنا كمجتمع ذروةالسيولة المائعة التي تسعى إليها السوق التي تنتعش  أكثر  وأكثر بالفوضى والمشاعية.هذه السيولة  تعني أن يكون الفرد  وحدة بذاته ، وآن تكون الأسرة وحدة أخرى يحافظ فيها الكل على مسافة من الاخر .

العلاقة الزوجية وحدة ،والعلاقة غير الزوجية وحدة أخرى ، بمعنى أن تفكك كل البنى التقليدية للمجتمع و كل الاطارات الاجتماعية  المعروفة لتتحول إلى مجرد ذرات تتلاعب بها هذه الرأسمالية المجنونة المتمددة حتى يتأجج  الاستهلاك و بدون حدود.
حين تكتشف الإخصائية النفسية العازل الطبي ضمن أغراض ابنتها ،وتستنجد بالأب ليتدخل،يثير هذا الأخير نظرها إلى أنه ليس من حقها أن تقتحم خصوصيات ابنتها، وان تفتش حقيبتها. وتتبدل اشكالية القضية من قضية عفة الى قضية حرية فردية ،لأن الأهم  هو هذه الحرية الفردية للابنة،

وبالتالي يتحول هذا الهروع الى الأب الى قتل رمزي لهذا الأب الذي عليه أن يصرف على الأبناء دون أن يتدخل في حياتهم او يسعى لكي يورثهم  قيم الاجداد .التي يوحي لنا الشريط أنها صارت بالية ومتجاوزة، كأن السوق،  والسينما إحدى الأذرع الفعالة للسوق  في كثير من الأحيان، تنازعنا ابناءنا ليتربوا على هديها هي . العلمانية المتطرفة  ملة واحدة ،نفس النتيجة التي  تخلص لها الشيوعية حين  تريد أن تنشئ الأطفال وفق رؤيتها  ،تنتهي لها أيضا  الرأسمالية حين تتوحش وتقتل الالاه،  فتأخذ منا الأطفال بالصناعة الإعلامية الموجهة  وتبيع لنا سلعة الحرية الفردية فتحرمنا أن نعيش على سجيتنا و فطرتنا كبشر . كل الأيديولوجيات حين تفقد الضابط الأخلاقي تكف عن أن تصبح مفيدة للانسان بل تصبح مضرة به
الإبداع نعم ، ولكن هل نحن مجبرون على ابتلاع الإبداع فقط لأنه ابداع او لأنه فقط قد اتى الينا عبر الصورة والسينما  ،ام لأنه يحقق لنا غاية ما، مثلا ما، سعادة ما .على المبدعين حين يعرضون بضاعتهم أن يقولوا لنا بالضبط ماهو الثمن الذي سندفعه .

هذه هي الأمانة  ،الثمن ليس فقط هو ثمن الاشتراكات في منصة كنيتفليكس ولكن هناك انهيارات يسببها هذا “الابداع”   الملغوم سيكون  لها أيضا اثمان،التفكك الأسري له ثمن ،الحرية الفردية إذا  انفلت زمامها لها ثمن يمكن أيضا أن نقومه إذا اردتم  بالمال .

هذا مايخفيه هذا الشريط وما لايستطيع أن يتبينه المدافعون عنه. الثمن باهظ جدا وندفعه من كينونتنا كبشر ميزنا الله عن الحيوان ،ولكن يصر البعض أن يحرمنا هذه الميزة وان يمرغنا في   أوحال هذه  الحياة الأرضية متناسيا ان الانسان كائن قد نفخ فيه الله من روحه، وهذه النفخة هي هذه المثل التي نتشبت بها ولانبلغ اليها أبدا ، ولكننا لانلغيها ولاننكرها لأجل قيم مادية ارضية مرتبطة بالسوق  تتغلف بغلاف حقوق الانسان
ومع ذلك،ليس  لأنك تطرح أفكارا في فيلم ، ستصبح هذه الأفكار  هي الحقيقة او هي المشروع . لذا يمكن أن نتقبل  حق هذه الأفلام في الظهور بالضبط كما من حق   بعض  العاهات أن تظهر  في المجتمع .

فأحيانا قد تبرز  العاهات في المجال الفني والسنمائي ولا أقول الإبداعي لأن الإبداع يصون فينا الإنسان قبل كل شيء .وحتى القيم العليا تحتاج إلى قيم هابطة ساقطة.

هذه الثنائية هي جوهر الكون والحياة ، فهي مايحدد ويعرف  القيم الحقيقية الاصيلة من القيم الزائفة المتوهمة التي تقود إلى هلاك البشر.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*