swiss replica watches
د؛ خالد فتحي يكتب:  لماذا تفجر بريطانيا في خصومة موسكو؟ – سياسي

د؛ خالد فتحي يكتب:  لماذا تفجر بريطانيا في خصومة موسكو؟

د خالد فتحي

في السياسة الدولية لا يوجد مكان لا  للصدفة ولا  للمبادئ.

فكل الخطوات  التي تقوم بها الدول تحسب بدقة بالغة،  وكلها تخضع   لمنطق المصلحة .

ولا شيء آخر غير المصلحة ،فحتى العقيدة الايديولوجية لم تعد تفعل فعلها في صنع قرارات الحكومات وتحديد اصطفافاتها على الركح الدولي منذ أن  انهار الاتحاد السوفياتي واختفى.

خير مثال على ما اقول هو الموقف البريطاني المتشدد من روسيا خلال الحرب الدائرة رحاها الآن بأوكرانيا .

والذي يدل عليه حماسها للحرب الذي يفوق  في حالتها مستوى التوجسات لدى  الألمان والفرنسيين،واشفاقهم من نتائجها المدمرة على مستقبل اوروبا.
منذ اندلاع الأزمة،  بدا واضحا أن بريطانيا ترى لها مآرب كثيرة تجنيها من وراء تسريع  احتدامها وتاجيجها، لذلك  رأيناها تهب  إلى تنصيب نفسها عراب الولايات المتحدة في  أوربا ،وتتحول إلى بوق  لها تصرف به التصريحات العدائية غير الديبلوماسية في نبرتها  ضد بوتين  ،  فتسكب  بهكذا رعونة  الكثير من الزيت على النار الملتهبة. ثم لا تلبث أن  تتطرف،  وتفجر في الخصومة إلى حد أنها لم تعد ترى نهاية لهذه الحرب من غير قطف راس بوتين نفسه.
بطبيعة الحال، هناك بواعث كثيرة تفسر هذا الكم المتضخم  من العداء البريطاني لموسكو :
أولا،  نجد  هذا  الخوف الاستراتيجي لدى بريطانيا منذ خروجها من الاتحاد الاوربي من  ان تصبح  روسيا بديلا أفضل منها في هذا الاتحاد . لذلك هي تجهد نفسها لكي تبعد الشقة أكثر بين الأوروبيين والروس،  بل وتدق اسفينا حادا بينهما يجعلهما يتباعدان للأبد .

وبالتالي، وجدت في أزمة اوكرانيا تلك الفرصة التي كانت بانتظارها.

وقد اتتها سريعا بعد سنتين فقط من أعمال عدة الطلاق مع بروكسيل.
علينا أن نسترجع أنه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ،وجمهورياته الخمس عشرة تسقط تباعا في حضن الغرب والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص .

اذ لم يعد هناك تمايز ايديولوجي يمنع ذلك لا بالنسبة لشقيقات روسيا ولا حتى روسيا  الليبرالية نفسها .
هكذا  صارت روسيا  تملك نظريا هذا الحق كونها دولة أوربية جغرافيا ،  أما ثقافيا وحضاريا  فالاتحاد الأوروبي الذيى هو مزيج من الهويات و  الشعوب واللغات يمكنه أن يقبل  بروسيا كإحدى المكونات التي ستمده بأسباب قوة غير متوقعة ولانظير لها تستطيع أن تعتقه من السيطرة الأمريكية..  روسيا شاسعة جدا ، وبلد غني بالنفط والغاز ،كما أنها تملك اكبر ترسانة نووية في العالم، و فوق هذا تدين بالمسيحية ككل أوربا .

لا يهم أن تكون مسيحيتها اورثوذكسية، وليست كاثوليكية او بروستانية. فذلك مجرد تفصيل غير مهم  في النهاية بالنسبة  لأوروبا العلمانية المتوحشة في ليبراليتها.

من هنا نفهم لماذا تصر بريطانيا على  أن تجهض  للأبد انضمام روسيا للاتحاد الاوروبي… وهذا العنت الذي تتكلفه لأجل  ان تعدم هذه الفرضية .

فهي  تعي جيدا  أن روسيا يامكانها أن تشد عضد أوربا ،و ان تخرجها عن طوع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الأطلسي معا،  وبالتالي  ستجعل  خروج لندن من الاتحاد الأوروبي غير مأسوف عليه .

تنتبه بريطانيا جيدا ، ومنذ زمن ، للطموحات الفرنسية والألمانية التي قد كانت ذات يوم لأجل أن تتجه اوروبا شرقا نحو موسكو .

ألم يشر الرئيس الفرنسي قبل جائحة كورونا باشهر فقط خلال اجتماع بسفراء بلده إلى ضرورة مد اليد إلى روسيا متحدثا عن قرب افول شمس الغرب وصعود قوى  شرقية ممثلة  في الهند والصين وروسيا ينبغي أخذها بعين الاعتبار.

مما قد شكل آنذاك  ايذانا بأن فرنسا التي تحن دوما إلى زمن شارل ديجول الذي تخففت فيه من الانجرار  والموالاة بشيك على بياض لبلاد العم سام، تفكر في تعويض الانسحاب البريطاني بروسيا الأقوى من بريطانيا بكثير.

روسيا تمكن الاتحاد الأوروبي من القوة المطلقة.
هناك حساسية كبيرة لبريطانيا تجاه روسيا، فكلاهما يبحث عن احياء امبراطورية آفلة، كما أن هناك احتكاكات طارئة  بينهما سعرت هذه الخصومة من جديد ، واذكتها مرة اخرى،منها  حادثة تسميم العميل سيرغي سكريبال ببريطانيا  التي اتهمت المخابرات الروسية بالضلوع فيها، وبعد ذلك تحرش السفن الروسية بحاملة الطائرات البريطانية اليزابيت.
ان المتأمل للعلاقة الحميمية بين بريطانيا وامريكا،  يكتشف أن هناك شبه توزيع للادوار بينهما في انتقاء الخصم رقم واحد، فبينما كانت أمريكا ترامب وبعده امريكا بايدن تركزان  على الصين ،اختارت بريطانيا  أن تستقصد بالخصومة موسكو، حتى ان بوريس جونسون جعل من ضمن ركائز العقيدة العسكرية التي صاغها بعد البريكست من الروس  التهديد الأول لامن بريطانيا واوروبا.

لعله الآن يحرض ضد روسيا ليثبث لنفسه وللآخرين من حلفائه أنه كان مصيبا أكثر منهم في هواجسه.

ولكن  الحقيقة،و في نظري، تكمن في أن  بريطانيا ،ومن دون كل الدول الاوربية، لا ترى حرجا في أن تكون تابعة لأمريكا.

فأمريكا ليست سوى سليلتها التي حملت عنها مشعل قيادة العالم بعد الحرب العالمية الثانية ، بريطانيا ترى نفسها في أمريكا مثل والدة تحب المجد لولدها،  ولذلك هي لا تريد بالخصوص  أن تتنصل اوروبا من الوصاية الأمريكية فتسعى إلى حسن البلاء في الدفاع عن اوكرانيا بالتصريحات المحرضة كأنها تستقطب أصوات أوربا الشرقية لفائدتها داخل الاتحاد الاوربي لتبقيه مذعورا خائفا لايعرف النوم إلا حين يضع رأسه فوق الوسادة   الأمريكية،  الذي وإن  غادرته تريد أن تبقي يدها عليها..
المؤكد أن  بريطانيا ،وان شربت حليب السباع ،لا تقدر بمفردها على هزم روسيا المتفوقة عسكريا عليها  عددا وعدة.

ولذلك اغتنمت فرصة هذه الحرب للتجييش ضد عدو لا تقوى عليه .

هي تستطيع هذا  التأليب  لانها لا تحتاج الطاقة من روسيا كما باقي الدول الاوربية ، وتستبعد حدوث  المواجهة التي ستعري ضعفها، فالخوف من الحرب النووية الشاملة يوفر عليها هذا الخطر  .

ان بريطانيا ، وبعد أن  خسرت الكثير من نفوذها اوربيا، تحث التهديدات لكي تعوض هذا الخصاص في المكانة والهيبة  بالصياح واقتراح العقوبات القاسية و المزايدة على الآخرين  في التطوع  لأجل الحرب،  حتى أنها أعلنت الجهاد في اوكرانيا  بين عسكرييها القدامي. انها تقوم  بهذا أيضا  لكي تكون حاضرة في أي تقسيم للكعكعة حين حلول  النظام الدولي القادم .

اذ لازالت أسيرة  أحلام الأمجاد الذابلة متطلعة لاستعادة الدور القديم الذي قد كان لها حين لم تكن الشمس تغرب عنها لكن قد يغرب عن بالها  اليوم أن حسابات الحقل قد لا تساوي أحيانا محصول البيدر، وخصوصا مع خصم كبوتين يبدو أنه أكثر عزما وتصميما  على الثأر لنفسه وبلاده من احتقار واهانات الغرب برمته وليس من استفزازات بريطانيا بمفردها.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*