يعتقد رمطان لعمامرة وعبد المجيد تبون وسعيد شنقريحة أنهم أصيبوا بالصمم، وأصبح الواحد منهم أطرش، لأنهم، ببساطة، لم يعودوا يسمعون المغرب يتحدث عنهم!!
لهذا يصرخون بأعلى صوتهم ويصدرون بيانات كلها قنابل وطلقات رصاص ورشاشات وأسلحة متطورة وما إلى ذلك من طائرات مسيرة وأخرى مخيرة..إلخ إلخ إلخ!
وذلك ما يبدو من خلال البلاغات الأخيرة الصادرة عن الديبلوماسية الجزائرية أو عن الجمهورية في صيغتها المدنية.
ذلك ما يستفاد تحديدا من البلاغ الأخير، وذلك أيضا ما يحدث عندما يريد العسكر أن يتحدث بلغة السياسيين، أو يحاول أن يقلد اللغة الديبلوماسية ولا يجد ما يجديه في ذلك، فيعود إلى تقاليده اللغوية المعتادة على إيقاع المارش العسكري…
ولعل آخر بلاغ رسمي جزائري يخص المغرب يكشف العديد من المتلازمات النفسية الاعتباطية…
فالسلطات الجزائرية اتهمت المغرب، يوم الثلاثاء الماضي، «بتنفيذ هجوم على قافلة شاحنات في منطقة حدودية بين موريتانيا ومنطقة الصحراء »!
وحذرت «من أن ذلك يهدد محاولات الأمم المتحدة بتخفيف التوتر الإقليمي».
البيان الصادر عن وزارة لعمامرة يتحدث عن « عمليات الاغتيال الموجهة باستعمال أسلحة حربية متطورة… ضد مدنيين أبرياء».
طبعا يذكرنا هذا بما سبق أن ادعته نفس الدولة عن هجوم مماثل، عندما قالت «إن المغرب استهدف سائقي شاحنات جزائريين في منطقة بشرق الصحراء »، عندما رفعت «البوليساريو» في 2020 شعارها المرحلي:« يا تبون ارتاح ارتاح … سنواصل الكفاح »…!
وقتها أيضا لم يُعرْ المغرب ولا موريتانيا البلاغ أدنى اهتمام!
بل حتى الجزائر نسته، ولم تعد إلى التذكير به في البلاغ الجديد..
قد نسته لأنها.. اختلقته!
وإلى حد الساعة لم يصدر أي رد فعل من المغرب، بخصوص الهجوم الجديد، وهو أمر طبيعي للغاية لأنه يعرف سر هذه الحرب المستجدة، ومن جهتها أعربت موريتانيا على لسان وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي الموريتاني محمد ماء العينين ولد أييه خلال مؤتمر صحافي أنه «وفقا لمعلوماتنا فقد قضى موريتانيان في الحادث الذي وقع الأحد». مضيفا أن «الحادث وقع خارج ترابنا الوطني» .
في المرة الأولى، كانت المنطقة على أبواب تحول كبير، مع الاعتراف الأمريكي في دجنبر 2020، وكانت المعابر أيضا ستعرف تحولا عميقا مع تطهير «الكركرات..» بين المغرب وموريتانيا..
ورغم أن الجنرالات استصدروا المآت من البلاغات  العسكرية عن البوليزاريو، لكنها لم تحدث الضجيج المفترض..ولم تستطع أن تثبت وجود حرب في الصحراء أو حولها، ولا يوجد دليل على وجود قتال خطير…أو غير خطير في المناطق الآمنة..
فَرأَتْ الديبلوماسية الشرقية ان تعيد السيناريو الذي لعبته في أكتوبر الماضي مع اجتماع مجلس الأمن سابقا.
فجيشت اللغة التي يعرفها الجنرالات: الحرب
والاعتداءات
والمعارك
وإرهاب الدولة
والطبول التي تصم الآذان في شمال إفريقيا..
وبالرغم من القرف الذي يصيب المغربي والمغربية عند قراءة هذا السيل اللغوي، لكن لنفترض مع ذلك بأنهم جديون حقا، وأنهم ليسوا ضحايا استشباحات قهرية، ما الذي يعني بلاغهم الأخير؟
لقد سبق لناصر بوريطة ان استشهد بالفرنسي «دو طالايران» Charles-Maurice de Talleyrand- عندما قال «إن كل ما هو مبالغ فيه يصبح بلا معنى»!
ولربما كان يجب الاكتفاء بتعليق كهذا، ولكن لا بأس من تمرين في البحث عن المنطق في هذا العبث نفسه واللامعني
إذا أسعفتنا الظروف الرمضانية طبعا ولم يستبد بنا الضحك..
في تقديري أن الجزائر تريد أن توحي بأن المغرب انتقل من منطقة شرق الجدار إلى جنوب الصحراء، مع وجود الموريتانيين دوما ضمن الضحايا.
وسواء في الحالة الأولى أو في الحالة الثانية هناك محاولة توريط موريتانيا في سيناريو خيالي مفاده دخول المنطقة في حرب غير معلنة.
ومن المفارق أن هذا المسعى لم يقتصر على البلاغ الصادر عن الخارجية، بل نجد أن عبد المجيد تبون أسهب وأطال الحديث عن علاقات موريتانيا والمغرب، في محادثاته «الاستخباراجية» مع وزير خارجية أمريكا أنطوني بلينكن!
فلم يكتف بأن حاول «إغراق المغرب» لدى المسؤول الإمريكي بل كذب على التاريخ والسياسة وجعل بلاد شنقيط محط تربص مغربي دائم!
وهو أمر يعتقد الفقير إلى رحمة ربه أن له علاقة بما يعرفه المناخ المغربي الموريتاني من تطورات جيدة بل تبدو استراتيجية بعد أن حقق اجتماع اللجنة العليا المشتركة بينهما نتائج أكبر مما كان متوقعا!
طبعا هناك أبعاد أخرى، من قبيل أن شهر أبريل هو شهر قضية الصحراء أمام مجلس الأمن، في مناخ جديد وجيد بالنسبة للمغرب، أهم ما فيه هو دفاع إسبانيا وألمانيا عن مقترح الحكم الذاتي.. وانتظار خطوات أخرى من طرف دول أخرى.. ولا يجد العسكر سوى بلاغات تربط بين ما يقع في الصحراء… وحروب أوكرانيا!
الغريب أن الدولة التي أعلنت بأنها لن تتعامل مع الأمم المتحدة في الملف عبر جلسات المشاورات الرباعية وأعلنت أنها غير معنية بمهام ستافان ديميستورا، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، هي نفسها الدولة التي تضع يدها على قلبها وتعلن خوفها من فشل «محاولات الأمم المتحدة بتخفيف التوتر الإقليمي..»!
رجاء أحد ما يتحدث إلى تبون
أو يعطيه لعبة حربية يتسلى بها
أو يخبره أن موريتانيا اختارت النجاح والاستقرار مع المغرب..
لتخبروهم أن الحرب تقع في أوكرانيا وليس في جنوب المغرب..
أحد ما «يحاشيها ليهم» فقد أصيبوا بالصمم!
رجاء، من يهدي لـ«تبون» لعبة حربية يتسلى بها؟