swiss replica watches
الملك الافريقي – سياسي

الملك الافريقي

الملك الافريقي
عبد السلام المساوي
1_ في ظل التخبط الذي تعرفه العديد من الكيانات الدولية والقارية والاقليمية التي فاجأها فيروس كورونا ، رغم قوتها في جميع المجالات ، مثل ما يحدث في الاتحاد الأوروبي الذي أصبح عاجزا عن التحرك لمساعدة الدول المتضررة من الجائحة ؛ تقدم جلالة الملك محمد السادس ، مساء الاثنين 13 ابريل ، بمبادرة افريقية لمواجهة فيروس كورونا في القارة ، قصد توحيد الجهود لتجاوز التحديات الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها الأزمة الصعبة الحالية ، لا سيما مع تحذير مجموعات من المنظمات والتقارير الدولية من وقوع كارثة صحية في افريقيا قد تحصد ملايين الأرواح ..
فبعد أربع ساعات من اعلان القصر الملكي الاسباني ، يوم الجمعة 10 ابريل ، أن الملك الاسباني فيليبي السادس أجرى محادثة هاتفية مع الملك محمد السادس ، بخصوص التضامن والتعاون الدولي لمواجهة الجائحة ؛ أكد الديوان الملكي المغربي أن الملك محمد السادس أجرى ، مساء الاثنين ، ” اتصالين هاتفيين ، على التوالي ، مع فخامة السيد الاسان درامان واتارا ، رئيس جمهورية كوت دي فوار ،وفخامة السيد ماكي سال ، رئيس جمهورية السنغال ، وهمت المحادثات التطور المقلق لجائحة ( كوفيد 19 _ ) في القارة الافريقية ” .
وتابع بلاغ الديوان الملكي أنه ” خلال هذه المحادثات ، اقترح صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، نصره الله ، اطلاق مبادرة لرؤساء الدول الافريقية تروم ارساء إطار عملياتي بهدف مواكبة البلدان الإفريقية في مختلف مراحل تدبيرها للجائحة ” . كما أوضح أن الأمر ” يتعلق بمبادرة واقعية وعملية تسمح بتقاسم التجارب والممارسات الجيدة لمواجهة التأثيرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية للجائحة ” .
” كل الذين اعتادوا ، والمغاربة كلهم ضمنهم ، على متابعة مبادرات ملك البلاد إزاء افريقيا ، لن ولم يتفاجأوا ، باعلانه عن مبادرة عملياتية اجرائية في مواجهة جائحة ” كورونا ” . تلكم إحدى تمظهرات رؤية ، فلسفة ، وجيو استراتيجية اتضحت معالمها بما يمكننا من أن نقول أن الدعوة الحالية هي جزء من سلوك سياسي وأخلاقي واستراتيجي عام ” . ع الحميد جماهري ، جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 12. 515
ان الأمر يتعلق بمبادرة نابعة من أبناء القارة وكبار حكامها لكي تواجه أم الدنيا افريقيا هذا الوباء اللعين بطريقة عالمة وعلمية واعتمادا على مقدراتها الذاتية ودونما اضطرار لطلب المساعدة والعون من الدول التي ألفت اعطاءنا _ دون وجه حق _ كثير من الدروس ، والتي وجدت نفسها أمام قوة الوباء وشدة وقعه ملزمة بالاعتراف انها لم تكن مستعدة لمواجهته .
هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها المغرب ايمانه العميق بافريقيا وبالرهان على افريقيا . لكن هذه المرة ومع حساسية اللحظة التي يعبرها عالمنا ، تأخذ الأمور منحى وتكتسي طبيعة اكبر . قوام اللحظة وتفسيرها ان القارة لن تكون فأر تجارب للمستعمر السابق …والقارة لن تجلس في القعر تنتظر مواجهة مصيرها . والقارة ستواجه هذا الوباء مثلما واجهت كوارث أخرى سابقة وكثيرة باعتمادها أساسا على أبنائها ، ثم على الصادقين من أصدقائها ممن تمكنوا من الشفاء من عقد الاستعلام الفارغة …
أن المبادرة الملكية ” سلوك يندرج في منطق متكامل ، دأبت عليه المملكة ، في كل مرة كان هناك ما يستدعي الاقدام وطرح البدائل العملية .
..عندما يفكر المغرب في نفسه لا يقوم في ذلك بترتيب يجعله يتقوقع على مصلحته الوطنية الصرفة ، ويغيب الاخرين ، أو إعطاء الأولوية الحصرية لنفسه بل تكون انتماءاته الافريقية حاضرة ومحددة بشكل عام في مبادراته .
كان ذلك عندما تم تحديد الارهاب كمسألة ، وكتحدي أمن على افريقيا وعلى العالم ، وكان ذلك ايضا عندما طرحت القضية الصعبة ، قضية الهجرة ، واختارت افريقيا العائلة المؤسساتية للمغرب ، أن ترد التحية بأحسن منها ، فاختارت ملك البلاد رائدا لها ، وانتظرت منه تقريرا لما ستفعله في مواجهة معضلة ، كان هو السباق ، هو بلد الجنوب ان يطرح لها حلولا كما لو كان من دول الشمال !
وكان ذلك أيضا ثابتا في قضية تشغل البشرية كلها ، كما هو حال الوباء اليوم ، هي قضية المناخ ، عندما انتدبته افريقيا متحدثا باسمها ومفوضا تفويضا قاريا لكي يبادر في الدفاع عنها …
وخلاصة ما سبق ، هو أن المغرب لا يرى نفسه. ابدا ، كلما اشتدت الأزمات الا في إطاره الافريقي ، ولكل سؤال صعب طرح على البشرية يحث عن جواب افريقي لافريقيا …” عبد الحميد جماهري .
2_ ان المبادرة المغربية تأتي ، اولا ، نتيجة لوعي عميق بالأزمة وتفشي الوباء في العالم ؛ ثانيا ، جاءت بعد ملاحظة أساسية وهي ان العالم بدأ ينكمش على نفسه ، من بينها منظومة الاتحاد الاوروبي التي هي اليوم في وضع من الشكوك والريبة وعدم تحديد الأهداف الأساس ؛ ثالثا ، اختلاف الاستراتيجيات التي تتبعها كل الدول من اسيا الى امريكا .
لهذا هناك حاجة إلى نموذج افريقي . والان هناك وعي لدى الأفارقة ، وبالأساس لدى الملك محمد السادس بأنه لن تفيد افريقيا الا افريقيا . لن نستطيع الحصول على مساعدات دولية وليست هناك ، أصلا ، مساعدات ، لأن الكل الان يطلب الدعم والعون . وبالتالي ، لا يمكن الاعتماد الا على الاليات والامكانيات الذاتية . وهذا المنطق المغربي ليس وليد اللحظة ، بل منذ عودته إلى الاتحاد الافريقي سنة 2017 . مثلا ، في خطاب ابيدجان سبق للملك التأكيد أن على افريقيا الاعتماد على قدراتها وامكانياتها الذاتية . يجب الاقرار بأننا مررنا من تجارب المساعدات الدولية ، ومن تجارب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي …، والى حدود الساعة لم تقدم أي نتيجة …
3_المغرب الافريقي الذي راهن منذ سنوات عدة على هذا الانتماء الممتد في الأرض وفي الروح ، يستطيع اليوم ، وقد أظهر منذ بداية الوباء عالميا أنه يمتلك تصورا استباقيا حكيما للأشياء ، أن يمد يده لقارته ، وأن يفاجئ الكل بقدرته رفقة أبناء القارة الاخرين على ابداع حلولنا لمشاكلنا دونما انتظار لحلول فوقية غير صادقة كثيرا اتية من دول تعودت اعطاءنا الدروس وهي الان بسبب جائحة كورونا تتلقى يوميا الدرس بعد الاخر .
قلناها سابقا غير ما مرة ، ولا نجد غضاضة اليوم في التذكير بها لانها قرارة ايماننا ومعتقداتنا . الدنيا ابتدأت في هاته القارة ، ومشاكل الكون كلها تفاقمت في هاته القارة ، وكل حلول عالمنا ستكون في هاته القارة .
4_ في أغلب سياسات المغرب تجاه افريقيا خلال الأربعة عشر سنة الأخيرة ، ظل المبدأ المحدد لديبلوماسية الجولات الملكية هو الشراكة ، ومنطق رابح رابح . لكن هناك لحظات إنسانية يتخلى فيها المغرب عن منطق اقتسام الأرباح وينتقل الى تقديم تجاربه في النجاح على سبيل الهبة ، حدث ذلك في ملف المهاجرين ، ويحدث اليوم في وباء كورونا .
فعلا حقق المغرب انتصارات متوالية في مواجهته المحلية مع الفيروس ، في المبارة الصحية نجحت التدابير الاستباقية وفي وضع الوباء تحت السيطرة ، وفي ظرف قياسي نجح في احتواء التداعيات الاجتماعية للوباء بشكل يجعل الدولة تحظى لأول مرة بشعبية غير مسبوقة. وعلى الواجهة الاقتصادية لم نلعب خطة الدفاع ونعش فقط لحظة دعم المقاولات المتضررة ، بل استخرجنا مخزوننا الاحتياطي من القدرة على الابداع في ” اقتصاد الوباء ” الموجه التصدير .
ماذا يعني اتصال الرئيس التونسي بملك المغرب للتشاور معه هاتفيا ؟ وماذا يعني ايضا ان يتصل عاهل اسبانيا المنهوكة بالفيروس بعاهل البلاد لتعميق التعاون ؟ وماذا يعني ان تتسابق الشركات الفرنسية والبلجيكية وغيرها على طلب استيراد المنتوج المغربي من الكمامات. ومواد التعقيم ؟ يعني ذلك ان ملك المغرب قاد مبارة أسطورية ضد الوباء ، وحقق. فيها انتصارات محلية تجعل المغرب لاعبا مطلوبا للاحتراف الدولي .
5_كثيرون تساءلوا في بداية الوباء لماذا لا يوجه الملك خطابا إلى الشعب ليشرح له حساسية الظرفية وضرورة الالتزام بالاجراءات العمومية ؟ وازداد السؤال حين توالت خطابات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وخروج ملكة بريطانيا بخطاب هو الثالث من نوعه منذ اكثر من نصف قرن ، وما كان واضحا هو أن المغرب لم يصل إلى الحالتين الفرنسية والبريطانية ، وأن الوضعية يمكن تطويقها اداريا دون الحاجة إلى رمزيات سياسية ، وغالب الظن أيضا ، أن الملك لم يكن يريد ان يصل إلى الأقصى ، توجيه خطاب الى الأمة يعقبه اعلان حالة الاستثناء .
في تقدير الملك محمد السادس يجب أن نخوض المعركة بشراسة كي لا نصل الى هذه المحطة ، ولذلك بدت الطوارئ الصحية حلا قانونيا ودستوريا وديا بين النموذج الأمريكي المتسامح مع الحركة العادية للحياة والنموذج الفرنسي القهري الصارم ، وبدلا من خطاب مباشر الى الأمة ، ظهر العاهل المغربي في سلسلة صور لأنشطته الدستورية ؛ جلسة عمل وزارية هنا واستقبال حكومي هناك واجتماع أمني عسكري في حالات أخرى …انها صورة ملك يشتغل اكثر مما يتكلم ، فهو في سباق مع الوباء وليس مع حفلات الخطابة …
منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية رأينا أن الملك في مختلف صوره ووظائفه ، رأيناه رئيس دولة مكلف بالسهر على حماية المواطنين وضمان السير العادي لمؤسسات الدولة . ورأيناه أميرا للمؤمنين يقبل على قرارات شجاعة وأخرى إنسانية ، ثم رأيناه ايضا قائدا أعلى للقوات المسلحة ، وناظرا أعلى للأوقاف والشؤون الإسلامية …كل خزانه الدستوري استعمله دون ان تطأ قدماه خارج الدستور .
لقد انتقلنا عمليا تحت ضغط الوباء ، وكما في كل الأنظمة الدستورية عالميا ، الى وضعية التماس مع نظام رئاسي ، لكن دون التفريط في وعائه البرلماني ؛ الحكومة تواصل عملها ضمن مسؤوليتها السياسية أمام الناخبين ، والمؤسسة التشريعية ظلت تمارس وظيفتها في الرقابة على السياسات العمومية وافتتحت دورتها الربيعية لممارسة سلطتها التشريعية ، وقانون الطوارئ الصحية لم يعط الحكومة شيكا على بياض ، والتعديل المباغت للحكومة لم يتجاوز حدود الفصل 47 من الدستور .
في الواقع ملك المغرب محظوظ جدا ، ومصدر حظه أنه تمرس مبكرا على ما يشغل الحكومات حاليا على الصعيد الدولي : الا تتحول التدابير الإستثنائية الى سلطوية ، وأن لا ينهار الاقتصاد ، ولا يدفع الفقراء وحدهم فاتورة الكارثة أو القوة القاهرة .
منذ توليه العرش كان الاقتصاد شغله الأول ، ووصف ” ملك الفقراء ” حينها يختزل الكثير من التمثل الشعبي لملك أختار أن ينتصر للفئات الهشة ، وحتى مع ظهور التهديدات الإرهابية لم نطبق قاعدة الأمن اسبق من الديموقراطية . وحين هبت رياح ” الربيع العربي ” كانت الوصفة قد اختمرت : الديموقراطية والنمو والتنمية ، وبها خرج المغرب من منطقة الزوابع الإقليمية والوصفة نفسها اليوم تعود للاشتغال بشكل مكثف ليخرج البلد من حالة الوباء القاتل .
وفي كل ما عشناه مع الوباء ، كنا تحت قيادة ملك يدرس المعطيات الموضوعية جيدا ، لكنه يضيف اليها كثيرا من الحدس والجرأة ، وأساسا القدرة على التضحية ، تلك القيمة التي قال عنها الاخرون من الجهات الأخرى من العالم : ملك المغرب يضحي باقتصاد بلده من اجل شعبه .
عبد السلام المساوي 20 أبريل 2020

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*