swiss replica watches
بين الاختصاص وتداخل الاختصاصات – سياسي

بين الاختصاص وتداخل الاختصاصات

بين الاختصاص وتداخل الاختصاصات

سعيد يقطين
وقفت في مقالة سابقة على أن ترجمتنا لتداخل الاختصاصات بـ«الدراسات البينية» دليل على ما تعرفه جامعاتنا من خلل فكري، وما يؤكد ذلك أيضا، ما لاحظته على ترجمة «الاختصاص» في معجم تحليل الخطاب الذي أشرف عليه عبد القادر المهيري وحمادي صمود (2008) حيث ترجم بـ»الفن» في الوقت الذي يتحدث الكتاب عن «تحليل الخطاب» باعتباره اختصاصا.

لو استفاد مترجمو «الدراسات البينية» من هذه الترجمة حرفيا لقالوا «بين الفنون» أو «تداخل الفنون»؟ وفي هذه الحالة أيضا نظل في الالتباس.

فكيف يتناول شارودو ومانغينو مسألة الاختصاصات وتداخلها؟
واجهت هذين المشرفيْن على «معجم تحليل الخطاب» (2002) مشكلةٌ مركزية تتمثل في نوعية المصطلحات التي عليهم التركيز عليها في معجم خاص بتحليل الخطاب.

فهل هذا الاختصاص له «مصطلحيته» الخاصة التي ينفرد بها، ويتميز بها عن غيره؟ أم أنها مفتوحة، وتستعمل في كل الاختصاصات القريبة والبعيدة؟ إنها مشكلة حقيقية تصب في قضية الاختصاصات وتداخلها.
افتُتِحت مقدمة المعجم بالانطلاق من اللسانيات وظهورها باعتبارها اختصاصا ظهر في الستينيات، وعرفت تطورها مع استلهام العلوم الإنسانية والاجتماعية لأهم منجزاتها.

وضمن هذه العلوم اللغوية برز «تحليل الخطاب» اختصاصا لدراسة ما يتعدى الجملة، تمييزا له عن اللسانيات التي تقف عند حد الجملة.

ومنذ الثمانينيات صار «تحليل الخطاب» ملتقى لاختصاصات متعددة تهتم به، لأنه من جهة يُدمِج في عملية تحليله أبعادا اجتماعية ونفسية وأنثروبولوجية، وغيرها.

ومن أخرى يوجَد هو نفسه في قلب هذه الاختصاصات.

أدى هذا الوضع إلى بروز قضية فرضت نفسها على المشتغلين بالمعجم: ما هي المصطلحات التي عليهم وضعها في هذا المعجم الخاص؟ فلو وضعوا كل المصطلحات الموظفة في مختلف الاختصاصات، لكانوا أمام ترسانة هائلة، أم عليهم الاكتفاء بالمصطلحات الخاصة بـ«تحليل الخطاب» كاختصاص خاص؟ وكان الخيار الذي ارتضته المجموعة: الاكتفاء بالمصطلحات الخاصة الموظفة في تحليل الخطاب فقط.

هذا الخيار الثاني هو نفسه الذي سيقود باتريك شارودو إلى طرح قضية الاختصاص وتداخلها للنقاش بين الباحثين.
ينطلق شارودو (2010) من أن السجال حول تداخل الاختصاصات يطرح صعوبات جمة، فتعدد المعارف وكثرة العلوم أدى إلى بروز الاختلاف بين «الأحادية» و«التعددية» مبينا أن «تعدد الاختصاصات» ليس سوى جمع اختصاصات دون أي تفاعل حقيقي بينها، لأن أي اختصاص له استقلاليته، ولا يراجع مفترضاته بالنظر إلى غيره، مكتفيا بتقديم رؤيته إلى أصحاب الاختصاصات الأخرى.

وبصدد تناوله لـ«تداخل الاختصاصات» يؤكد صعوبة تحقيقه، لأنه يتعلق بإقامة روابط حقيقية بين المفاهيم وأدوات التحليل وطرق التأويل بين اختصاصات مختلفة، وليس فقط بإضافة اختصاصات أخرى حول الموضوع نفسه، بل يجب خلق نوع من المواجهة بين كفايات الاختصاصات بهدف جعلها أكثر ملاءمة من حيث أدوات تحليلها وتوسيع حقل تأويلاتها، انطلاقا من النتائج نفسها التي نجمت عن بروتوكولات التحليل الموحد.

يتساءل شارودو عما يمكن أن يجمع بين الاختصاصات أو يوحد بينها، حتى يتسنى لنا معرفة الاختصاص من غيره؟ يجيب بأن الاختصاص يتشكل من: مبادئ مؤسِّسة، وافتراضات عامة، وأخيرا من مفاهيم خاصة تحدد حقل الدراسة، وتسمح في الوقت نفسه ببناء ظاهرة موضوع التحليل.
في ضوء هذه التحديدات للاختصاص يستنتج الباحث أنه يتشكل من إطار تصوري، ومن داخله يمكن أن تبنى عدة نظريات، بصفتها اقتراحا نسقيا حول بعض المقولات.

إنه دون إطار نظري لا مجال لأي نقاش ممكن لأننا لا نعرف باسم ماذا يمكننا تقييم، أو تأكيد أو رفض نتائج التحليل؟ إن هذه الأداة هي التي تشكل المنهجية.

وهذا الزوج المنهجي ـ النظري هو الذي يؤسس الاختصاص عن طريق تعيين موقع الملاءمة فيه. ويسجل ثلاثة منزلقات تعتري التصورات السائدة.
يكمن، أولها، في الذهاب إلى أن الأنظمة التفسيرية العلمية الكبرى تسمح بالتعرف على الظواهر الاجتماعية.

ويعيدنا هذا إلى اعتماد نماذج التحليل باسم «العلمية» التي فرضت سلطتها الثقافية في مرحلة هيمنة الاختصاصات المنغلقة.

أما المنزلق الثاني فيدفعنا إلى الاعتقاد بأن اللجوء غير النقدي، إلى العديد من الاختصاصات يمكن أن يتيح فرصة أحسن لفهم الظواهر.

لكنه ليس سوى ذر الرماد في العيون. ويبرز الثالث في الظن بأنه لا يمكننا أبدا فهم الظواهر بسبب تعقّدها؟ ويؤدي هذا إلى الدفاع عن نسبية محايدة تُراكَم من خلالها الدراسات الإمبريقية المحلية، دون أي هدف يمكنه إضافة لبنة صغيرة في كاتدرائية المعرفة التي لا نصبح نراها إلا من خلال بضعة أحجار قليلة.
إن شارودو من خلال رصد هذه المنزلقات يحدد موقفه من قضية الدراسات الكمية التي تقف عند حدود رياضية وإحصائية ضيقة.

ومن غموض النزعة المتعددة الاختصاصات الموحشة، التي تدعي أنها القادرة على الإحاطة بالظواهر. ومن التصور المبني على صرامة أي اختصاص، وادعاء قدرته على تفسير الظواهر وتحليلها. هذا هو الموقف الذي أتبنى، والذي يبرز أولا، في: الانطلاق من وجود «الاختصاص» وثانيا، من ضرورة «تداخل الاختصاصات» شريطة توفير مجموعة من الإجراءات التي تعطي لهذا العمل ملاءمته العلمية والمعرفية.

كاتب مغربي

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*