نقطة نظام… حول استفحال ظاهرة العنف في المجتمع المغربي
نقطة نظام
حول استفحال ظاهرة العنف في المجتمع المغربي
بقلم : ذ. خديجة الكور باحثة في علم الاجتماع
يدرك جليا الملاحظ لعدد من الأحداث التي يعرفها المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة، أن ظاهرة العنف آخذة في الزيادة والتنامي كما وكيفا، وأن مظاهر العنف تخترق كل المؤسسات والفضاءات والمناسبات إذ تنامت بشكل ملحوظ مظاهر العنف الأسري ، وأحداث الشغب في الملاعب، و المهرجانات والجرائم البشعة و العنف بالوسط المدرسي و الجامعي ، والعنف في المجال الرقمي ،والعنف في الخطاب السياسي وفي الخطاب الديني، وكلها مؤشرات تدل على استفحال ظاهرة العنف في المجتمع بما يهدد الانسجام و السلم الاجتماعي والسلامة النفسية للمواطنات والمواطنين.
ويلاحظ المتأمل لوجوه الناس في الشارع العام أن تقاسيم وجوه الأفراد كثيرا ما تعبر عن تأزمهم وتعبهم وغضبهم، حيث كثيرا ما حلت القسوة والكآبة والتشاؤم مكان الطيبة والمرح والتفاؤل ،وتراجعت بشكل كبير قيم وسلوكات التضامن والإيثار والتفاني في العمل أمام سلوكيات تتسم بالريع.
ويتخذ العنف الذي تتسع مساحاته داخل المجتمع المغربي عدة أشكال بدأ بالعنف اللفظي الذي يتمثل في استخدام الألفاظ البديئة وعلو الصوت وحدة النبرة والصراخ والصخب في الشارع العام، أو في فضاءات التواصل الاجتماعي وحتى في جلسات التداول في بعض المؤسسات، ومرورا بالعنف الجسدي المتمثل في الخشونة في التعامل والتشابك بالأيدي واستخدام الأسلحة البيضاء واستئجار البلطجية، وكل مظاهر الجريمة،أضف إلى ذلك العدوان السلبي المتمثل في اللامبالاة والتراخي والكسل وتعطيل مصالح المواطنين والصمت والسلبية.
وأصبح الخطاب الرائج في المجتمع وفي وسائل الإعلام والسياسة ومواقع التواصل الاجتماعي لا يتحدث سوى عن الأزمة (أزمة السياسة، أزمة الإبداع ، أزمة الشباب ، أزمة البطالة، أزمة الجفاف، أزمة القيم والأخلاق ، أزمة الضمير، أزمة الصحة… إلخ ) ومظاهر الفساد في المجتمع و التجارب الفاشلة في مختلف المجالات لحد أصبح معه هذا الخطاب يهدد شعور المواطن بالأمن والاستقرار وحب الحياة ويرسخ الشعور باليأس والإحباط.
ولا تقبل مثل هاته الظواهر المعالجة السريعة فكلها تمظهرات يجب التوقف عندها بأدوات التحليل المطلوبة ، لأننا أمام أزمة حقيقية تستوجب استحضار عمق خطورتها من أجل محاصرتها بما يلزم حتى لا تزيد الظاهرة في التغلغل وتزيد من حجم التكلفة على جميع المستويات وربما تصل إلى مرحلة اللاعودة.
وتقف عدة أسباب وراء استفحال ظاهرة العنف تتمثل أساسا في الشعور بالإحباط،والإحساس بالدونية و الحكرة وفقدان الأمل في المستقبل، وفقدان الثقة في المؤسسات وانسداد قنوات التعبير وتعطيل آليات وفضاءات الحوار و الاستقالة من النقاش العمومي و اتخاذ المبادرة بما يؤشر على أعطاب حقيقية في ممارسة المواطنة .
ويشكل الانحباس والجمود السياسي الذي تعرفه جل الأحزاب السياسية ببلادنا سببا من أسباب استفحال ظاهرة العنف نظرا لعدم قدرتها على استيعاب حركية المجتمع والتعبير عن انتظارات المواطنين وتحفيز وإغناء النقاش العمومي الهادف بما يضمن ارتياد افاق المغرب الممكن و المأمول.
إن الصمم السياسي والعناد السلطوي وانتشار مختلف أشكال الفساد الاقتصادي والسياسي و الأخلاقي والبيروقراطية والإحساس بالظلم كلها أسباب تزيد من حدة العنف داخل المجتمع.
ولا يمكن للمؤسسات الأمنية وحدها أن تحل معضلة العنف داخل المجتمع مهما بلغت نجاعة فعلها ، بل إن تدخلها المستمر في هذه القضايا يخلق نوعا من التوثر الجديد بين المواطنين خاصة الشباب .
إن معالجة ظاهرة العنف داخل المجتمع تتطلب بالضرورة وعيا جماعيا بخطورة الظاهرة على تماسك المجتمع ، وعلى السلم الاجتماعي وصورة الوطن داخليا وخارجيا،وتتطلب معالجتها تعبئة جماعية والمزاوجة بين مبادرات الوقاية والعلاج وإطلاق مسلسل تأهيل شامل لحقلنا الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي .
كما يتطلب الموضوع القيام بدراسات حول هاته الظاهرة تعبئ مختلف العلوم و التخصصات للوقوف على الجوانب الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية والنفسية، وإطلاق مبادرات تمكن من ضمان انخراط الأسرة والمدرسة والجامعة و الإعلام والمقاولة والحزب السياسي والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني و التنظيمات الرياضية في إعادة الاعتبار لقيم الحوار و التسامح و التدبير السلمي للاختلاف و المواطنة الايجابية.
كما يتوجب على الأحزاب السياسية استعادة المبادرة في مجال تأطير المواطنين والتعبير عن انتظاراتهم، والاعتماد على النخب لتطوير الفكر والممارسة الحزبية بما يضمن إعادة الثقة في نبل العمل السياسي وينمي الثقة لدى الأجيال في الوطن الذي ينبغي أن يتسع للجميع.