هذه العدمية عدمية وكفى
هذه العدمية عدمية وكفى
عبد السلام المساوي
يوجد في مجالات الفكر والسياسة ما يمكن اعتباره عدمية في مجاله، وخاصة داخل الحقل السياسي.
وتقوم هذه العدمية على ما يمكن النظر اليه بانه غياب الجدوى وانعدام المعنى لكل عمل سياسي او اي قيم عليا تؤطر المجتمعات وتحدد لها بوصلتها. والعدمية السياسية في بعدها هذا شكل من أشكال الفوضوية التي ترفض كل مؤسسة تساهم في تأطير المجتمعات على اي مستوى من المستويات، وأساسا مؤسسة الدولة بمختلف اجهزتها.
غير ان الملاحظ اليوم ان هذا البعد الفكري والنظري اصبح غائبا تماما ليفسح المجال امام نوع من العدمية الجاهلة، كما يتبين من خلال بعض الشعارات التي يرددها الكثيرون لتبرير انعزالهم عن الحياة السياسية.
وهنا تكمن الطامة الكبرى.
ذلك ان هذه العدمية الجاهلة تمنع حتى إمكانية مقارعتها على المستوى الفكري والسياسي لانها عدمية دون أفق تماما.
ليس ممكنًا إدارة الظهر للواقع إلى ما لا نهاية. ذلك أن هذا الأخير يصر على احتلال موقع الصدارة في نهاية المطاف.
وهكذا يجده المرء منتصبًا أمامه، حيثما حل وارتحل، رغمًا من الظن الذي لازمه بأن إدارة الظهر للواقع كفيل بنفيه والتحر من قوانين جاذبيته القاهرة.
وعندما يحدث الاصطدام المحتوم بين الواقع ووعي عدم القدرة على تجاهله، تكون الغلبة للواقع على الوعي الذي دخل غمار المعركة وهو أعزل وأكثر هشاشة على تحمل صدمات المواجهة.
تكرار كلمة من الكلمات او مفهوم من المفاهيم في مجال تحليل واقع متحرك على الدوام، لا يسهم كثيرا في تفسير هذا الواقع، فأحرى ان يكون عاملا من عوامل تغييره.
ذلك ان المفاهيم او ما يقوم مقامها من العبارات اذا لم تكن قادرة على مواكبة تطور الواقع بمختلف ابعاده المادية والفكرية والسياسية تصاب بالتكلس وتفقد بالضرورة قدرتها على التحليل بل قد تتحول الى ما يشبه تعويذة يخيل لمن يثابرون على تكرارها انها تملك من القدرات الخارقة ما يعفيهم من بذل الجهود المضنية التي يتطلبها الاضطلاع بمهام محاولة فهم الواقع والعمل على تغييره.
هذا يعني ان المفاهيم تفقد مع مرور الزمن قدراتها الإجرائية في مقاربة الواقع ما لم تكن قادرة على مواكبة تطوراته وبذلك تدب اليها مفاعيل اللاجدوى في أحسن حالاتها وكثيرا ما تتحول الى أداة للتضليل وحجب حقائق الواقع.
وبالمناسبة فهذا يسري على التي يتم نعتها عادة بالحديثة كما يسري على عبارات تقليدية تم التعامل معها في فترة من الفترات باعتبارها مفاهيم اجرائية في تشخيص الواقع او تحليله في هذا المجتمع او ذاك.
تطويع اللغة لتتلاءم مع مقتضيات الموضوع، أمر جيد ومطلوب، ما في ذلك شك.
غير أن الوقوع في أسر اللغة، وجعلها هي الموجه الحصري للتفكير، عن قصد أو غير قصد، يؤدي إلى عدم التلاؤم بين مفردات اللغة المستعملة مع مقتضيات الموضوع المطروق.
وحينئذ تتحول تلك المفردات إلى مجرد نتوءات على جسم ليس جسمها، فتفقد بذلك بعدها التعبيري عن الأفكار.
وقد تتحول أحيانا إلى استحضار مفردات من حقبة الديناصورات التي لم يعد لها وجود في الواقع.
ينبغي أن يتحكم الفكر في اللغة ويطوعها وليس أن يقع أسير هجينها أو ما لا يخرج عن نطاق هذا البعد أو ذاك من الإستعراض الأجوف.