بنكيران …الانقلاب الانتهازي

بنكيران …الانقلاب الانتهازي

   عبد السلام المساوي

   الانتهازية بدت واضحة في في سلوك حزب العدالة والتنمية المبكرة ، إذ بمجرد ما وصل إلى الحكومة حتى انقلب على كل شيء !

   انا ممن يؤمنون بفساد الرؤية العامة للإسلاميين فكرا وسلوكا ، واراها تتحمل عبء اخفاقهم وفشلهم …ولا أرى الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سجلت بحق تجربتهم الا انعكاسا لفساد هذه الرؤية …او لنقل إنها الدم الفاسد الذي بثوه في برامجهم فسرى بأوصال المجتمع المؤسسية حتى أصابها بالمرض ….

   تناقضات الخطاب الإسلامي هي التي هزت كرسي الإسلاميين .

فهو تارة خطاب فيزيقي يمارس السياسة بمكر وبرغماتية ، ويدير تحالفاتها وصراعاتها الشرسة المنفلتة من عقال الاخلاق …وتارة أخرى هو ميتافزيقي يحلق في عالم المثل ويأخذ مريديه الى جنات السموات ، يمارس الخطابة في المساجد والشوارع ويخضع المطلق والثابت والله لبرنامجه المعروض سياسيا…

   في حكاية التقاعد الاستثنائي البنكيراني تفاصيل أكبر بكثير من مسألة الحق في استفادة رئيس حكومة سابق من التقاعد…، وهي ايضا أعقد بكثير من ان تكون قضية صراعات سياسية كما يدعي مريدو بنكيران ….في الحقيقة ثمة فكرة أساسية ؛ لا يمكن أن تستفيد بمزايا الريع ، بينما تحرص على أن تجني عائدات وفوائد المحافظة الإيديولوجية في الدين والسياسة …

   قد نسميه نفاقا ، وقد نسميه انفصام في الشخصية ، وقد نرى فيه تراخيا في الالتزام الايديولوجي ، وقد يكون تمزقا وتيها فكريا ، وقد نرى فيه نصبا واحتيالا في لعبة اسمها السياسة والانتخابات…

   ومحاربة الفساد والريع كان استراتيجية دعوية راكمت الاعضاء المتعاطفين والعشرات من الجمعيات النووية التي تدور في فلك الجمعية الأم المسماة التوحيد والإصلاح ، ليس في احياء الصفيح فقط ، بل وفي معاقل الطبقة الوسطى ايضا..

   لذلك لا يستقيم ان نقف اليوم مع الذين يتباكون على الازدواجية في الخطاب والسلوك…لقد تبين مرة أخرى ان بنكيران واصحابه تاجروا بالدين والاخلاق لمراكمة الثروات والنساء ( فما ربحت تجارتهم …)

   والذين صدموا ، عن حسن نية ، بالتقاعد البرلماني الاستثنائي البنكيراني ، لم يفعلوا ذلك لأن بطله خصمهم الايديولوجي ، ولا لأنه هدفهم السياسي …فهو ميت على قيد الحياة ..

   صدموا فقط لأن هناك تناقضا فظيعا في السلوك الأخلاقي لحراس الدين الجدد…

   ويصعب على المتتبع ، حتى ولو حاول أن يدرج في التحليل ادعاءات عناصر السياق السياسي المتأمر ، أن يستوعب هذا الانقلاب الانتهازي بين خطاب أخلاقي برمزية دينية وايديولوجية دعوية ، وبين النهب والجشع والاغتناء بالمال العام …وهذا يطرح سؤال النزاهة الفكرية والصدق السياسي…

   والصدق السياسي مطروح لأنه لا يمكن استعمال الدين والطهرانية الأخلاقية قناعا ووسيلة للتمويه والتخدير وقرصنة الأصوات في الانتخابات …إنها لصوصية ونصب واحتيال…

   والنزاهة الفكرية موضوعة فوق طاولة النقاش ، أيضا ، إذ كيف يمكن أن تحدثني بخطابين رمزيين مختلفين ، وكيف يمكن أن تقنعني بسلوك يتناقض مع شعاراتك الانتخابية ، دون أن تكون قمت بالضروري من المراجعات والقراءات النقدية لذلك العبور من الأخلاقية إلى الانتهازية…

   وليست حكاية التقاعد الاستثنائي البنكيراني وحده ما يدفع إلى التحليل النفسي والفكري والأخلاقي لظاهرة الازدواجية هذ ، ففي تجربة الإسلاميين الكثير من الانزياحات عن المصرح به الأخلاقي ، وكثير من التمزقات الداخلية للانعتاق من المكبوت الاجتماعي …

   وبعض الإخوان تبدلت تماما بنياتهم الاجتماعية من عائدات السياسة ، ولذلك من الطبيعي أن تتغير ذهنياتهم وأذواقهم ..

   وهذا على كل حال حق مشروع ، لكن فقط ينبغي ممارسته بوضوح حتى لا يصبح تمزقا سياسيا وإيديولوجيا مرضيا كالذي عشناه في حكاية التقاعد البنكيراني ، وعشناه في حكايات يتيم ، ماء العينين ، الشوباني ، باحماد وفاطمة النجار …وما خفي أعظم

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*