التواصل السياسي للمعارضة حول ملتمس الرقابة ضد حكومة أخنوش

التواصل السياسي للمعارضة حول ملتمس الرقابة ضد حكومة أخنوش.

بقلم: حميد المرجاني،صحفي، باحث في الإعلام والاتصال

 

شهد المشهد السياسي المغربي في ربيع 2025 تطورات بارزة، تمثلت في محاولة المعارضة البرلمانية تقديم ملتمس رقابة لإسقاط حكومة عزيز أخنوش.

هذه المبادرة، التي بدأت بحماس لتوحيد صفوف المعارضة، انتهت بفشل كشف عن تحديات التنسيق بين الأحزاب المعارضة. يستعرض هذا المقال دور التواصل السياسي في نجاح أو فشل المعارضة، مع التركيز على الإطار الدستوري لملتمس الرقابة، قنوات التواصل المستخدمة، واستراتيجيات التواصل السياسي لأحزاب المعارضة حول ملتمس الرقابة.

ملتمس الرقابة: الإطار الدستوري

يحدد الفصل 105 من الدستور المغربي لعام 2011 الإطار القانوني لملتمس الرقابة، وهو أداة دستورية تتيح للبرلمان محاسبة الحكومة.

يشترط النص توقيع ثلث أعضاء مجلس النواب، أي 132 نائباً من أصل 395، لتقديم الملتمس، وأغلبية مطلقة (198 صوتاً) لقبوله.

كما ينص النظام الداخلي للمجلس، في المادة 269، على تقديم مذكرة مفصلة مرفقة بتوقيعات النواب. تضمن المهلة الزمنية البالغة ثلاثة أيام بين التقديم والتصويت فرصة للنقاش والرد الحكومي.

رغم وضوح هذه الأحكام، تواجه المعارضة صعوبات عملية. العتبة العددية العالية، إلى جانب طبيعة النظام الانتخابي الذي ينتج حكومات ائتلافية قوية، تجعل نجاح الملتمس تحدياً.

وبالتالي، يكتسب الملتمس أهمية رمزية وإعلامية أكثر من كونه أداة فعلية لإسقاط الحكومة.

تحديات التواصل السياسي

يعتمد نجاح المعارضة في النظم الديمقراطية على تواصل سياسي فعال يخدم ثلاث وظائف رئيسية: الرقابة، التعبئة، والتثقيف. تتطلب الوظيفة الرقابية نقل نقد دقيق وواضح لأداء الحكومة.

أما التعبئة، فتهدف إلى حشد الدعم الشعبي عبر رسائل تتناسب مع الجمهور المستهدف.

بينما تركز الوظيفة التثقيفية على رفع الوعي السياسي وتعزيز المشاركة الديمقراطية.

في العصر الرقمي، تتعدد تحديات التواصل. تنوع منصات الإعلام يتيح فرصاً للوصول إلى جمهور أوسع، لكنه يزيد من مخاطر التضليل الإعلامي.

كما يفرض التنافس على جذب انتباه الجمهور ضرورة صياغة رسائل جذابة دون التضحية بالمصداقية. في السياق المغربي، يتطلب النظام السياسي الهجين، الذي يجمع بين الملكية الدستورية والبرلمانية، توازناً دقيقاً بين النقد والاحترام المؤسساتي.

قنوات التواصل: تنوع وتحديات

استخدمت أحزاب المعارضة قنوات متنوعة للتواصل خلال محاولة تقديم الملتمس.

لعبت وسائل الإعلام التقليدية، مثل الصحف الإلكترونية (“هسبريس”، “أخبار 24”)، دوراً في نشر التصريحات الرسمية.

كما وفرت القنوات التلفزيونية والإذاعية منصات للحوار المباشر.

في المقابل، برزت وسائل التواصل الاجتماعي كأداة رئيسية للتفاعل الفوري مع الجمهور، حيث استخدمت الأحزاب منصات مثل فيسبوك وتويتر لنشر مواقفها.

على سبيل المثال، استخدم حزب العدالة والتنمية قناة “PJD TV” لنشر فيديوهات توضيحية، حققت بعض التفاعل المباشر. كما نظمت الأحزاب مؤتمرات صحفية وندوات، مثل تلك التي عقدها حزب الحركة الشعبية حول قضية الماء. داخل البرلمان، اعتمدت الأحزاب على اجتماعات التنسيق، لكن هذه الجهود اصطدمت بغياب آليات فعالة للحوار.

التواصل السياسي لأحزاب المعارضة: تباين الأساليب

حزب العدالة والتنمية

قاد حزب العدالة والتنمية، تحت قيادة عبد الإله بنكيران، خطاباً واجهياً يركز على قضايا الغلاء وتدهور القدرة الشرائية.

استخدم الحزب لغة شعبوية، مثل وصف الملتمس بـ”صفعة قوية”، لتعبئة الدعم الشعبي.

كما استثمر في الإعلام الرقمي للوصول إلى قاعدته الشعبية مباشرة.

لكن هذا النهج أثار انتقادات، حيث اعتبر البعض أن تركيزه على الخطاب العاطفي افتقر إلى بدائل سياسية واضحة.

حزب التقدم والاشتراكية

اعتمد حزب التقدم والاشتراكية، بقيادة نبيل بنعبد الله، نهجاً مؤسساتياً يركز على النقد المستند إلى بيانات رسمية. سعى الحزب للعب دور الوسيط بين الأحزاب المعارضة، محاولاً تقريب وجهات النظر. ورغم نجاحه في تحقيق تفاعل جماهيري، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واجه تحديات في ظل الاستقطاب الذي يعرفه المشهد السياسي المغربي.

حزب الحركة الشعبية

ركز حزب الحركة الشعبية، بقيادة محمد أوزين، على قضايا التنمية المحلية، مثل الماء والبنية التحتية. استخدم لغة مباشرة تناسب قاعدته الريفية، مع تنظيم فعاليات ميدانية لتعزيز حضوره.

لكن محاولته الحفاظ على توازن سياسي جعلته يبدو متردداً في اتخاذ مواقف حاسمة…

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

مثل انسحاب الاتحاد الاشتراكي، بقيادة إدريس لشكر، مفاجأة كبرى.

رغم أن الحزب كان المبادر بفكرة الملتمس، إلا أنه انسحب متذرعاً بـ”التفاصيل الشكلية” و”هدر الزمن السياسي”.

حاول الحزب تبرير موقفه بخطاب يركز على “المعارضة المسؤولة”، لكنه واجه انتقادات حادة، خاصة من حزب العدالة والتنمية، الذي اتهمه بحسابات سياسية ضيقة.

تداعيات الفشل

كشف فشل الملتمس عن تحديات هيكلية في التنسيق بين أحزاب المعارضة. الخلافات حول التفاصيل الإجرائية عكست غياب ثقافة سياسية تعاونية.

بشكل غير مباشر، عزز هذا الفشل موقف الحكومة، التي استفادت من انشغال المعارضة بصراعات داخلية. في الوقت نفسه، ساهم النقاش العام في رفع الوعي السياسي، حيث أظهرت استطلاعات أن 62% من المستطلعين يؤيدون فكرة الملتمس.

آفاق المستقبل

يتطلب تعزيز فعالية المعارضة إصلاح آليات التنسيق عبر إنشاء لجان مشتركة دائمة.

كما يحتاج الأمر إلى استثمار أكبر في التواصل الرقمي وتطوير محتوى جذاب.

إلى جانب ذلك، يتعين على الأحزاب تقديم بدائل سياسية واضحة، مدعومة بدراسات متخصصة، لتعزيز مصداقيتها.

وعموما، تقدم تجربة ملتمس الرقابة درساً مهماً حول أهمية التواصل السياسي الفعال.

فشل المعارضة في توحيد صفوفها يكشف الحاجة إلى إصلاحات هيكلية في التنسيق والاستراتيجيات.

مع استيعاب هذه الدروس، يمكن للمعارضة المغربية أن تبني نهجاً أكثر فعالية، يجمع بين النقد البناء وتقديم البدائل العملية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*