الإنتخابات في غياب العدالة الإجتماعية .. شرعية شكلية بلا مضمون.
عمر المصادي
في كل موسم انتخابي، ترفع الشعارات، وتنظم الحملات، وتفتح مكاتب التصويت، لكن السؤال الجوهري الذي يجب أن يطرح هو: هل يمكن للإنتخابات أن تحدث تغييرا حقيقيا في ظل غياب الشروط الإقتصادية والإجتماعية الأساسية؟
الجواب، بكل واقعية، هو لا.
الإنتخابات تعد إحدى ركائز النظام الديمقراطي، وهي الأداة التي يعبر بها المواطن عن اختياراته السياسية، ويحاسب بها المسؤولين، ويشارك في رسم مستقبل بلده، لكن هذه الوظائف لا يمكن أن تمارس فعليا عندما يعيش المواطن تحت وطأة الفقر، والبطالة، والتهميش، وانعدام الأمل…
كيف نطالب المواطن بالمشاركة السياسية الواعية، وهو لا يجد قوت يومه؟
كيف ننتظر منه أن يختار بحرية، وهو محاصر بالجهل، والقلق على مستقبله ومستقبل أبنائه؟
إن الإختيار الحر يتطلب حدا أدنى من الكرامة المعيشية، والوعي الإجتماعي، والثقة في المؤسسات، وكل هذه العناصر تغيب في مجتمعات تعاني من اختلالات اقتصادية عميقة وفوارق اجتماعية صارخة.
عندما لا تتوفر العدالة الإجتماعية، تصبح الإنتخابات مناسبة لإعادة إنتاج نفس الطبقة السياسية، ونفس الأزمات، ويتحول الصوت الإنتخابي إلى ورقة تستعمل للضغط، أو تشترى بالمال، أو تمنح بدافع القبيلة أو الطائفة أو الوعود الزائفة.
وبذلك، تفقد الإنتخابات معناها الحقيقي، وتتحول إلى ممارسة شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع.
وما يزيد الطين بلة، هو أن هشاشة الوضع الإجتماعي والإقتصادي تجعل قطاعات واسعة من المواطنين عرضة للتهميش، أو العزوف، أو الإستغلال السياسي.
فتتحول الإنتخابات من فرصة للتغيير إلى مجرد إجراء إداري، وتفقد العملية الديمقراطية جوهرها.
إن الحل لا يكمن فقط في تحسين القوانين الإنتخابية أو تقنيات الإقتراع، بل في خلق بيئة اقتصادية واجتماعية عادلة، تمكن المواطن من أن يكون فاعلا في القرار السياسي، لا مجرد رقم في صناديق الإقتراع.
وهكذا فإن الإنتخابات لا تجدي نفعا في غياب الشروط الإقتصادية والإجتماعية الأساسية.
فالمواطن الجاهل والمهمش لا يصوت عن قناعة، بل بدافع الحاجة أو اللامبالاة.
لذلك، لا يمكن الحديث عن شرعية ديمقراطية حقيقية في ظل الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي.
الشرعية لا تكتسب فقط من فتح صناديق الإقتراع، بل من تحقيق أثر ملموس في حياة المواطنين.
إذا لم يشعر الناس بأن أصواتهم تحدث فرقا حقيقيا، فإن العملية الإنتخابية كلها تفقد معناها.
إن بناء الثقة في الإنتخابات يتطلب ما هو أكثر من التنظيم الجيد والإجراءات التقنية، يتطلب العدالة، والكرامة، والأمل…
فبدون تلك الشروط، تظل الإنتخابات مجرد طقوس شكلية .. بلا أثر.
