swiss replica watches
ماذا تريدون من بنكيران؟ اتركوه … أيها الجاحدون ليشكل الحكومة – سياسي

ماذا تريدون من بنكيران؟ اتركوه … أيها الجاحدون ليشكل الحكومة

عبد السلام المساوي
لماذا كل هذا الهجوم على عبد الإله بنكيران الآن؟.. وماذا فعل لكم بنكيران؟ وأي ذنب تحسبونه عليه؟ وأي جرم ارتكب في حق الوطن حتى تطالبون برأسه؟…

 

أليس هو رئيس الحكومة الذي انشغل بأسلمة الدولة، قبل توفير الفرص الكريمة للمواطنين للعيش… أليس بنكيران من يعمل على إقناعنا بأن فكرة الجماعة الدينية أكبر من فكرة الوطن، وبأن الولاء للجغرافيا الإسلامية أكبر من فكرة السيادة، وبأن صناديق الاقتراع أكبر من الديموقراطية ذاتها…

أليس بنكيران من كفر حركة 20 فبراير، وانتهزها فرصة لاغتصاب شعاراتها كجسر للوصول إلى الحكومة التي أصدرت قانون تنظيمي واحد ألا وهو قانون التعيين في المناصب السياسية والقطاعات الحساسة…

أليس بنكيران من يؤمن بأن مرحلة الوصول إلى الأجهزة التنفيذية والتشريعية ما هي إلا مرحلة انتقالية يتم فيها الاستيلاء على الدولة وأجهزتها على طريقة استنبات كل شروط الخلافة، دون إشراك المعارضة في القرار، ودون الوفاء بالمشاريع الانتخابية، وكذلك بدون استحضار أن الشرعية ليست فقط نتائج الانتخابات، بل هي الآلية التي تتضمن حماية التعدد السياسي والفكري المجتمعي، وهو من يستمر في التجني على الديموقراطية فكرا وسلوكا فقط لأنه مدجج بسلاح “الشرعية”…

أليس بنكيران من يعلم قبل غيره أن وصول البيجيدي إلى الحكومة لا يفسر بانخراط طوعي وشعبي مع هذا الحزب بالنظر إلى أن العزوف أفرغ الساحة لتملأها أصوات أنصار بنكيران فقط، بدليل أن حزب العدالة والتنمية لم يحصل سوى على مليون صوت وما يزيد قليلا (تحديدا مليون و800 ألف صوت).

ماذا تريدون من بنكيران أكثر من إضحاك الناس ورواية النكت “الحامضة” والخروج عن المألوف، “حلايقي” من الطراز الرفيع، ويريد أن يعجب الناس به بأي ثمن، وهو لذلك يحرص على أن يظهر بأنه يأكل طعامهم ويمشي في أسواقهم، وبأنه رجل بسيط و”ولد الشعب” ويصلي في آخر الصفوف فوق حصير! وبأن المنصب الحكومي لم يغير فيه شيء.. ونسي أن رئاسة الحكومة تقتضي أن يخرج من جلبابه الحزبي والدعوي ليكون حاضنا لكل المغاربة.
أليس بنكيران من باع الأحلام للمغاربة، رفع شعارات طنانة في حملته الانتخابية… وما كاد حبر كلمات خطاباته وشعاراته يجف حتى انقلب على كل شيء…

ماذا تريدون من بنكيران أكثر، وفي عهده لجأ المغرب إلى طلب أكبر قرض في تاريخ البلاد من الصندوق الدولي ناهز 6 مليار دولار.. وتم رفع الأسعار بشكل مهول.. ووقع انخفاض عائدات السياحة.. وتم تسجيل ارتفاع العجز التجاري.. ووقع ارتفاع في سعر المحروقات.. ووقع تراجع في مداخيل المهاجرين.. وسجل المغرب ارتفاعا مهولا في قتلى حوادث السير.. وارتفعت الحركات الاحتجاجية بالمدن والقرى بشكل رهيب ويومي.. وتراجع الاحتياطي من العملة الصعبة بالبلاد… وتمت مصادرة حق الإضراب وخنق الحريات وإجهاض الحقوق.. وأكبر إنجاز كان هو تعطيل تفعيل دستور 2011… ماذا تريدون من بنكيران أكثر من هذا… كفاكم كذبا وتزويرا.. واتركوا بنكيران يتم مهمته المباركة ويشكل حكومته الثانية.. فالمغاربة مازال فيهم للأسف نفس.. ودعوه يكتم هذا النفس…
وماذا تريدون من بنكيران أكثر، وهو الذي يبكي كل ليلة في صلاته لأنه لم ينجز كل ما وعد به، ولم يركع أنف الأحزاب المنافسة في التراب.. ولم يطوعها ولم يدمرها، وهي الأحزاب “الزنديقة” التي تنطق “سفاهة”.. وتجهل أنه “خليفة” الله في الأرض.. وأن فتوحاته وصلت قناة محايدة جدا وبريئة جدا، وهي قناة الجزيرة التي مازالت تبشر بالخلافة الإخوانية.. وسقط الغنوشي، وسقط مرسي.. وكان الأمل في بنكيران.. فهو الإخواني الوحيد على قيد الحياة بعد الاندحار في مصر وتونس وفي… من هنا تتم استضافته كعريس.. ويتم الاحتفاء به “كملاك مقدس”.. إنه “ولي” الله وصاحب كرامات.. فبفضله أنعم الله على المغرب بأمطار الخير.. هدية من عند الله لحزب العدالة والتنمية.. وإذا لم تكف الأحزاب المنافسة عن “سفاهتها” فإن بنكيران سيدعو الله يرفع المطر.. وهكذا سيكون الجفاف عنوان المغرب إن انتصر المشروع الديموقراطي الحداثي…
دعوا بنكيران يرأس الحكومة، ودعوه ليحقق المعجزات، فالله “يحمي” حكومته، بل إن حكومته “هبة إلهية” للشعب المغربي.. أطيعوا بنكيران، فطاعته من طاعة الله، ومعارضته معارضة للقدر الإلهي.. وذلك خروج عن الدين وكفر بالله تعالى…
ماذا تريدون من بنكيران، والمغاربة راضون عنه.. راضون كل الرضى عن زياداته، ويخافون أن ينحرف فيزيد في الأجور.. إنهم راضون عنه لأنه شجاع في إصدار قرارات التأزيم، وما عجز عنه سابقوه قادر هو على إنجازه.. أقصى ما يمكن أن يحلم به، هو رئيس حكومة.. وهذا حلم تحقق بفضل انتفاضات شعوب الربيع العربي.. انتفاضات وقف لها بنكيران بالمرصاد.. عارضها في العلن وباركها في السر، فهي من أوصلته إلى رئاسة الحكومة.. ولتعلم المعارضة أن المغرب مستقر مادام بنكيران في الحكومة، وإذا رحل فإن المغرب سيغرق، وستعود حركة 20 فبراير.. بنكيران أو الجحيم…
لماذا كل هذا الهجوم على عبد الإله بنكيران؟ لماذا تحاسبونه؟ لماذا لا تستقبلون هذيانه الكلامي بالتصفيق كما يفعل “قطيعه” في الحزب؟

 

تلومون بنكيران على هرطقاته وانزلاقاته وشطحاته وترفضون لغو كلامه، فهل تجهلون أن الفكر واللغة متلازمان بحيث لا يمكن تصور وجود واحد منهما خارج الآخر، وأن كل تصور للفكر خارج اللغة يعني القول بعدمية ذلك الفكر. إن الكلام والفكر، إذن، يغلف أحدهما الآخر، فالمعنى يحصل في الكلام نفسه كما أن الكلام هو الوجود الخارجي للفكر.

لا فكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر.
تأسيسا على هذا كله، بنكيران لا يفكر، يصرخ، يقهقه، يقذف بألفاظ ويصدر أصواتا.. من لا يفكر لا فكر له، ومن لا فكر له لا لغة له.. وبنكيران بدون فكر، بدون مشروع، بدون بدائل… لهذا فهو عاجز عن إنتاج خطاب عقلاني متماسك، عاجز عن بناء نسق لغوي قوي شكلا ومعنى… وليداري ضعفه يحتمي بالاستفزاز اللفظي الحامل للعدوانية الدفينة والعنف المتأصل… لا مفر لبنكيران، إذن، من التوسل إلى العنف اللفظي ليسعفه بعدوان اللسان بغرض إسكات المعارضة، وقصد إلهاب وجدان الأتباع وإشعالهم تصفيقا وولاء وتأييدا لبنكيران الذي هو، دائما على حق.
إن اللغة ترسم الخط البياني بين الحيواني والإنساني، ولقد تفطن الخطاب السوفسطائي إلى خطورة الكلمة فجعل منها أكثر الأسلحة تداولا في المجتمع الأثيني في عصر سقراط وأفلاطون لضمان الحضور السياسي في هذه المدينة.
لماذا هذا الهجوم على بنكيران الآن؟

أليس بنكيران هو القادم إليكم من “الشبيبة الإسلامية” التي ارتكبت أكبر جريمة في المغرب، اغتيال عمر بنجلون، اغتيال الديموقراطية واغتيال الوطن… أليس بنكيران من ارتمى في أحضان الوزير القوي في زمن اليسار، ادريس البصري، أليس هو من ارتمى في أحضان المخابرات ليقود جماعته نحو محاصرة قوى التقدم والحداثة، قوى اليسار والتغيير.. ولما أنجز المهام عانق “المشروعية” كحركة دعوية، وكحزب “إسلامي” بلبوس خطيبي.. وكان الصعود إلى البرلمان، وكان الصعود إلى رئاسة الحكومة.. فلماذا تطالبونه الآن بالصعود إلى الهاوية؟ هل استنفذ مهامه؟ لننتظر!
لماذا هذا الهجوم على بنكيران الآن؟ أليس بنكيران من زج لحيته، خلع نعليه ولبس الحذاء، تخلى عن عباءته وارتدى البذلة… ليتحمل المسكين مسؤولية رئاسة الحكومة، وليحقق الأمن والسلم، الاستقرار والاستمرار.. وليجنب المغرب مآلات الدول العربية التي تورطت شعوبها في “الربيع العربي”.
لماذا هذا الهجوم على بنكيران الآن؟ أليس بنكيران من تنكر لوعوده الانتخابية وشعاراته النارية.. عفا عن الفاسدين والمهربين.. غازل الأقوياء والضاغطين.. وعذب المقهورين والمأجورين.. عاقب المضربين والمحتجين.. تهكم من المعطلين وأنذر المتقاعدين…
ماذا تريدون من بنكيران؟ أليس بنكيران هو أول من حول البرلمان إلى حلقة.. أليس بنكيران من أشبعكم فرجة؟؟ دعوه يمثل.. دعوه ينكت.. دعوه يهرج… وعندما يتسلل إليكم الملل والضجر فلا تحاسبوه ولا تعارضوه، ولا تشغلوا بالكم بالقضايا السياسية والمعضلات الاقتصادية والأزمات الاجتماعية…
ماذا تريدون من بنكيران؟ تريدون أن يكون ديموقراطيا وأنتم تعلمون أن فكرة الإسلام السياسي تتعارض مع الديموقراطية، ولا يمكن لأحد أبدا أن يرى بعكس ذلك، فالمجتمع الذي يخطط له الإسلام السياسي، لا يؤمن أبدا بالتعددية، ولا يؤمن بالرأي الآخر، تؤكد على ذلك تشريعات كثيرة تضعه، والتنظيمات والجمعيات التي تنظر له، أمام حرج كبير، فمن الحرية الفردية، إلى حرية الاعتقاد، إلى مبدأ تداول السلطة، كل ذلك لا يمكن أن يقول أحد بقبول “الإسلام السياسي” له، لأنه لو قال بذلك فهو تلقائيا يخرج من الفهم الذي يولده وهو “الولاية الإسلامية” و”إقامة الشرع والشريعة” الذي يرى بأنه هو الصواب الوحيد، بل وفكرة قيام المشروع نفسه مبنية على هذا، ومبنية على ولايتها المطلقة على الناس…

 

إن التحصن بصناديق الاقتراع يخفي إيمان الإسلاميين بأن العملية الديموقراطية هي مجرد مرحلة انتقالية لإقامة الخلافة الإسلامية. وفي هذا السياق تصدق أطروحة “ديموقراطية المرة الواحدة”.
ماذا تريدون من بنكيران؟ ألم يرتكب وهو رئيس الحكومة السابقة ورئيس الحكومة المكلف عددا من  الكوارث في تدبير المجال السياسي ولم يستوعب المشهد المغربي بشكل عميق، والتقط من القنوات المشرقية التي تروقه ويروقها ما يساعده        على تخيل نفسه وهو يمارس دورا غير حقيقي، ووجد من المؤلفة جيوبهم في الإعلام من ساعدوه على الوهم. لماذا هذا الهجوم على بنكيران؟ وهو الذي يرى ألا مستقبل للمغرب دونه، وأنه وحده صمام الأمان، وأنه وحده من جلب لنا الاستقرار، وأنه وحده يستطيع حمايتنا من كل التقلبات؟
لماذا هذا الهجوم على بنكيران؟ لماذا لا تدعونه يشكل الحكومة على هواه؟ أليس هو من قاد المشاورات بمنتهى العبث، ومن مظاهر العبث الذي وصلت إليه مشاورات تشكيل الحكومة، هو أنها تحولت من تمرين ديموقراطي مطلوب، إلى حقل للتأويل الحر وغير المنضبط للسياق والنصوص الدستورية، وطيلة مسار المشاورات تم إغراق الساحة بمفاهيم متعددة، تحول مفهوم التفويض الشعبي إلى حجة ثابتة في المعركة غير حدود الاختصاصات وحقوق المجالات المرتبطة بنظام الحكم.
ماذا تريدون من بنكيران أكثر؟ أليس بنكيران من ملأ التفويض الشعبي، مدعوما بالمؤلفة جيوبهم في الإعلام وبغلام الصحافة، بأوهام كثيرة، فالمغاربة الذين ذهبوا لصناديق الاقتراع منح حصصا متفاوتة في النيابة والحجم المحصل عليه بالنسبة للحزب الفائز لا يمنحه شرعية مطلقة في تشكيل الحكومة، وبالتالي مفهوم الأغلبية انتهى ليلة الانتخابات، وفي صبيحة اليوم الموالي كان على عقل بنكيران أن يستفيق على مهمة البحث على أغلبية تشكيل الحكومة لممارسة حصة الحكم.
ماذا تريدون من بنكيران؟ أليس بنكيران من عمل على التطويح بالتفويض الشعبي بعيدا في لعبة مزايدات كلفته كثيرا، وحين قرر العودة لحقيقة أرض الواقع، لم يجد من المؤسسات الضامنة لتسهيل مهمته سوى مؤسسة الملك، ذلك ما تردد في الأيام الأخيرة بعد اشتداد الأزمة ووصولها إلى نقطة اللاعودة، وبنكيران وحزبه في هذه الحالة إما أن يختار التفاوض مع شركائه في الحصة الانتخابية لضمان شرعية الوصول إلى جهاز التنفيذ في الدولة، أو سينتظر مخرجات تنزيل الفصل 47 من الدستور للجهة المخولة، وهذه هي النهاية المحزنة لمزايدات التفويض الشعبي.
ماذا تريدون من بنكيران ولماذا لا تبايعونه؟ وهو الذي لم يسلم معه مفهوم المنهجية الديموقراطية من التعويم، ونسي بنكيران أنه بعد تعيين الملك لرئيس الحكومة، انتهت قصة المنهجية الديموقراطية التي كان الاتحاد الاشتراكي ضحيتها في 2002، ولكن بعد النتائج الكارثية للتفاوض سيتم استقدام هذا المفهوم من طرف بنكيران ومريديه لإلباسه سياقا غريبا، ناسيا ومتناسيا بأن المنهجية الديموقراطية تقتضي من رئيس الحكومة المعني بالمفاوضات بإيجاد حلفاء للحكم وفق منهجية تفاوضية واقعية، أما أن ينتظر بنكيران مبايعة أوتوماتيكية من باقي الفرقاء فلا وجود لها في أصول الديموقراطيات القديمة والناشئة.
لماذا تحاسبون بنكيران؟ والحصيلة التي يرسمها للمشاورات تظهره وكأنه قدم تنازلات كبيرة، في مقابل تعنت خصومه. وينسى بنكيران أنه بالرجوع إلى مسار هذه المشاورات سيتضح أن كلفة التأخير في اتخاذ القرارات هي التي كانت سببا في عدم نجاح المحاولات المتأخرة لرئيس الحكومة المعين. فمنذ البداية كان قرار الاتحاد الاشتراكي في الدفاع عن تطلعه لرئاسة مجلس النواب واضحا، وقال الكاتب الأول للحزب أن حقيقة الاجتماع الذي يصور بأنه مؤامرة، كان لأجل مفاتحة الأحزاب في هذا الأمر، وبغض النظر عن رأي كل طرف، المهم أن التعامل مع هذا المطلب داخل حزب بنكيران تم بتعال كبير، تصريحات المسؤولين الحزبيين سخرت من هذا المطلب، وتم التشهير بحزب الاتحاد الاشتراكي المطالب به، في الوقت الذي سيتضح لاحقا، أن حزب بنكيران لم يقرأ جيدا الخارطة المتاحة للتحالفات، ويوازن بين العرض والطلب، لكن في النهاية سيتم الاستسلام للنتيجة التي مكنت الاتحاد الاشتراكي من رئاسة مجلس النواب.
لماذا تحاسبون بنكيران على عدم تشكيل الحكومة؟ وهو الذي اختار التأخر في قرار الأغلبية التي تمكنه من إعلان الحكومة، وكان عرض ادريس لشكر فرصة ذهبية كانت ستجنبه معركة التجمع الوطني للأحرار، تماما كما كانت ستجنب الضريبة الثقيلة التي يؤديها حزب الاستقلال داخل هذه المعركة المعقدة، فبعد حديث بنكيران عن حكومة قوية من حيث العدد، سينتهي للمطالبة بحكومة غير موسعة (الأغلبية السابقة)، بل سيحولها إلى حرب مفتوحة ضد الاتحاد الاشتراكي نفسه، وسيتحول رفضه لهذا الحزب إلى تصريف للإخفاقات التي وصلت إليها اختياراته الاستراتيجية في التفاوض.
لماذا تريدون من بنكيران قبول الاتحاد الاشتراكي؟ وداخل حزبه تطرح أسئلة عن سر هذا الرفض المطلق لدخول الاتحاد الاشتراكي، لكن ماكينة التدبير المفوض داخل الحزب وخارجه، ستحوله إلى محرمة تقذف بالمتجرئين على إثارته بعيدا، وإذا ما واصل هذا التعنت حضوره سيكون على بنكيران وحزبه كلفة إضافية في تداركه، رئيس الحكومة المعين تحول إلى رهينة لشحن نفسي أكثر منه مبدئي واستراتيجي، كل الأحزاب التي ستشكل معه هذه الحكومة تعرضت للقصف والتخوين. والسؤال الذي يطرحه المتتبعون هو النفس المتبقي لهذا الائتلاف المنتظر للقيام بالمهمة الصعبة، وهي تدبير شؤون المغاربة بالاقتدار الكافي.
لماذا تحاسبون بنكيران على عدائه للاتحاد الاشتراكي؟ وهو الذي حول موقع حزب العدالة والتنمية والمواقع والجرائد التابعة له لحائط مبكى يرثي فيه أمجاد الاتحاد الغابرة، ويسيل الدمع الصادق الحزين على أيام النضال، وأيام الرجال وأيام الأبطال، ويذكر المغاربة أن الاتحاد الذي كان… كان حزبا قويا بزعماء كبار شامخين، وبقامات سياسية عملاقة، وبهامات حزبية سامقة لا يمكن لذاكرة المغاربة أن تنساها، قبل أن تعيد الأسطوانة نفسها إلى اللحظة الداكنة اليوم، ويشرع المدافعون عن حقهم في حكومة على المقاس في النحيب والعويل على الحال اليوم، مخرجين لشكر ومن معه من لائحة الاتحاديين، مانعين عنه صفة العضوية، ومسقطين عنه أي نضال من أي نوع كان.
من حق بنكيران ومن حق المريدين والأتباع المتباكين على الاتحاد أن يسيلوا كل هاته الدموع، وهم الذين أدخلوا إلى مشهدنا السياسي مصطلح التماسيح التي يعرف الجميع صدق دموعها، ومن حق أهل البيجيدي أن يروا أن الاتحاد تغير، وأن الاتحاد تبدل، وأن الاتحاد “باع الماتش”، وأن الاتحاد فعل كل هاته الأفاعيل ويزيد.

 

شيء واحد ليس من حق هؤلاء المتباكين نسيانه، أنهم وحين كان الاتحاد اتحادا مثلما يقولون اليوم، كانوا هم يفضلون الاعتكاف في المنازل، وقراءة الورد ليل نهار، وأداء الصلاة خفية، والتستر على كل العلاقات. أيامها كانوا يقولون عن الاتحاد إنه حزب “الملحدين واليساريين الضالين والعلمانيين الملعونين بإذن الله تعالى”، وكانوا يعتقدون أن “التعاون” ضد الاتحاد مشروع وشرعي، بل هو وجه من أوجه نصرة الله تعالى.
ماذا تريدون من بنكيران؟ هل تريدون أن ندفع عجلة التذكر أبعد ولنسأله ونسأل أنفسنا “من وصف الشهيد الاتحادي عمر بنجلون بالكلب الأجرب؟” ولنسأل بنكيران ونسأل أنفسنا إن كان التباكي اليوم على الاتحاد أم مجرد ندب الحظ لأن كعكة الحكومة سائرة في الابتعاد؟ لنسأل فقط، ولنتفادى المغامرة بالجواب في انتظار كل القادمات… (الأحداث المغربية- العدد 6153).
لماذا لا تمدحون بنكيران وتصفقون له؟ وهو أمين عام البيجيدي الذي بقدر ما يحتضن الآراء التي تمدحه، ويستشهد ويستعين بها، بقدر ما يصنف، بكل البساطة الممكنة، أصحاب الآراء الأخرى في خانة “الخصوم”، ولم يحدث قط، علنا على الأقل، أن قال بنكيران، أو قاله حزبه إنه أخطأ في أمر، وأساء التقدير في أمر، أو تسرع هنا أو تهاون هناك.
يوم تكلم المفكر محمد جبرون، وهو واحد منهم، حاولوا جهد الإمكان تسفيه كلامه، ولا أحد منهم، في العلن على الأقل، قال إن للرجل أجر المجتهد، وأنه قد يصيب مثلما قد يخطئ، وأن رأيه المختلف لا يعني بالضرورة أنه وضع نفسه رهن إشارة “معسكر الخصوم”.
ويوم تسرب اليسير مما نسب إلى عزيز رباح، وهو أيضا منهم، اجتهد البعض في صياغة ولاءاته، وفي إعادة تفصيل سترته، فقط لأنه استفسر عن الأسباب المعقولة للرفض المطلق للاتحاد الاشتراكي وإتمام تشكيل الحكومة، وجد طريقه لجريدة بوعشرين الذي تحول ناطق رسمي باسم جناح أو أشخاص داخل البيجيدي، يفرضون من خلالها ديكتاتورية الرأي الواحد، وشيطنة كل من تجرأ للبوح بالمختلف. وعندما قال الرباح في حوار مع أسبوعية الأيام “إن جلالة الملك هو رئيسنا جميعا، وهو أمير المؤمنين يقوم بالتوجيه والنصح، وأحيانا الانتقاد، وهذا شيء جميل ومهم ومطلوب”. تعرض لهجوم خبيث من طرف بوعشرين الذي قال في افتتاحيته تعليقا على رأي الرباح “وانتهت السياسة بمفهومها المعاصر وانتهى الاحتكام إلى الدستور، وانتهى مفهوم التعاقد، ودخلنا إلى كتب الآداب السلطانية وفقه التغلب” هذا هو حكم بوعشرين على كل من تجرأ على بنكيران وقال له رأيا مختلفا.

بوعشرين يقول لهم أطيعوا بنكيران! ألم يجد عبد القادر اعمارة، وزير الطاقة والمعادن في الحكومة المنتهية ولايتها، نفسه مجبرا على الانكباب في ردود على اتهامه بالسكن في شقة في ملكية شركة من شركات عزيز أخنوش، الاسم الأكثر حضورا في جدل واجتماعات العدالة والتنمية، بعد محنة تشكيل الحكومة المستمرة.
وفي قضية الرباح وقضية اعمارة، دخلت كتائب البيجيدي على الخط، وطلبت من وزير العدل والحريات بفتح تحقيق، وهو في نفس الوقت رئيس لجنة النزاهة في الحزب، ويبدو القصد الظاهر من دخول هذه الكتائب بحثا عن الحقيقة، ودفع سموم تلويث سمعة عضو قيادي في الحزب، لكن الوجه الخفي في الموضوع، هو جر المعنيين بهذا الاستهداف إلى داخل المقصلة التنظيمية.
لماذا لا تطيعون بنكيران؟ وهو مسكون بوهم الكمال، يغريه، ويعميه الانتشاء بالانتصارات الانتخابية، ويفضل التصفيق والهتاف، ويرفض إنتاج الفكر أو تطويره، ويأمر بإنتاج الخطاب في اتجاه واحد، “محاربة الخصوم والمتآمرين” وصناعة العدو في كل مرحلة، ويؤمن بأن الانتصار في الانتخابات استجابة إلهية لدعاء “ربنا آتنا النصر الذي وعدتنا”.
لماذا لا تطيعون بنكيران؟ وهو الذي يقول لكم بأن من دخل بيته فهو آمن، وبأن القدرة على العمل السياسي وعلى تأطير المجتمع تتأتى من الوضوء فقط؟ ومع بنكيران يمكن تشكيل الحكومة بالنكتة والإساءة للآخر و”الغنان”. وبنكيران يعتبر من انبطح له وامتثل لرغبته ذليلا، يعتبره من الملائكة، وأن من زاغ عن خطه مجرد مغرر به ووسوس له الشيطان! و”عزيز أخنوش يكون شيطانا عندما يحل بمقر حزب الاتحاد الاشتراكي وملاكا عندما يزور بنكيران في بيته”.
لماذا تهاجمون بنكيران؟ وأنتم تعلمون أنه يدفع الكثير للغلام بوعشرين الذي نعرف جميعا حكايته مع المال، والبحث عن أوجهه في كل مكان، ونعرف جميعا حكايته مع اللون الأحمر ثم مع النصب ومع فيلات المهاجرين، ثم مع جهات أجنبية…
لماذا تحاسبون بنكيران؟ وهو الذي يفكر في الحزب أكثر من الدولة، وفي الأشخاص أكثر من المؤسسات، ولا يؤمن بفكرة الوطن الذي تحده جغرافية محددة وسيادة مضبوطة، بل هو مشدود إلى فكرة يعتبرها هي الأسمى والتي تفيد بأن الوطن هو الأمة الإسلامية!
رئيس الحكومة المعين هو الذي يتحمل مسؤولية تشكيل الحكومة، وكل فشل يعود له وحده، ولا يمكنه التنصل من هذه المسؤولية. لقد فشل بنكيران، ولماذا ينجح بنكيران؟! “إن بنكيران يسيء لنفسه وللأحزاب السياسية كاملة، لأنه يريد منها الانصياع والانضباط لما يريده، أو اللجوء للإهانة وتسليط السياط على الأحزاب والمؤسسات” على حد قول ادريس لشكر.
لا حكومة بدون الاتحاد الاشتراكي، انتهى الكلام وبدأ الفعل.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*