swiss replica watches
صناعة المناضل الحزبي في المغرب – سياسي

صناعة المناضل الحزبي في المغرب

إدريس بنيعقوب*

أن تصنع مناضلين داخل تنظيم سياسي فهذا ليس بالأمر السهل والهين، وليس بالوصفة السريعة بمكونات بسيطة يوضع بعضها فوق بعض لتعطيك شكلا هجينا غير معروف رأسه من بطنه.

مفاهيم النضال والمناضل هي مفاهيم تملك روحا حية ومتفاعلة، وفي نفس الآن قوية وعصية على الانهزام، تؤسس قوتها على مرجعية فلسفية صلبة وعلى نظر ثاقب للواقع، وعلى نبل ومثالية أحيانا في تحديد الأهداف والمرامي. لقد ارتبط مفهوم النضال دائما بقضايا إنسانية كبرى، قدمت من أجلها التضحيات الجسيمة كالسجون والتعذيب والجوع والعطش والإيثار على النفس، فلا يمكن مثلا أن نسمي رب مقاولة يسعى للربح بكل وسيلة أن نسميه مناضلا، ولايمكن لأي كان أن يصبح مناضلا بالمعنى التاريخي والفلسفي للكلمة، إلا إذا ربط حياته ومسعاه في الحياة بهدف نبيل لخدمة قضية جماعية، وبذل من أجل ذلك جهدا لخدمتها بكل الطرق، وأولها ثقافة عبر الاحتجاج عند الحاجة،وما أكثر الحاجة في حياة الناس، ثم تملك تصور للقضايا الانسانية الكبرى التي يقدرها تقديرا خاصا متميزا من وجهة نظر الفكر الذي آمن به، ومقدسة تستحق التضحية.

هذه الثقافة النضالية عبر التاريخ تملكتها جماعات بشرية متنوعة بمثابة مدارس تؤهل مواطنين غيورين على الإنسان حد الثمالة والهذيان، من بينها أحزاب سياسية كثيرة ترى في وجودها حاجة إنسانية مهمة، وترى في فعلها السياسي دورا إجتماعيا دونه الفناء. هنا يمكن التمييز بين الدور السياسي le rôle politique والمهمة السياسية la mission poltique. الدور يفرض تلقين القناعات الفلسفية ووالجدانية ينبثق عنها لا محالة مناضل مؤمن بها، يسعى لتحقيقها والدفاع عنها مهما كان الثمن. أحزاب المهام les partis missionnaires، لايمكنها أن تصنع مناضلين،لأن عملها ببساطة محدد داخل الزمان والمكان، وهي ليست بحاجة إلى مناضل حقيقي له القدرة على الاحتجاج والتصدي لكل مس بقضاياه التي آمن بها، وكل ماتحتاجه هو زمرة من الزبائن مرتبين حسب الانتماء الطبقي، تسخرهم أثناء فترات معينة وتحديدا خلال الانتخابات، لتقفل بعدها “الدكاكين” وليذهب كل واحد إلى حال سبيله أو لينخرط في مهمة أخرى وهكذا.

لايكفي أن تؤسس الهياكل الإدارية البيروقراطية داخل التنظيم السياسي، ليعمره أشخاص غير مقتنعون بفكر ما أو ربما لايفهمونه أصلا، لايعرفون معنى ثقافة النضال والمحاججة المقنعة للترافع بنفس قوي وشرس، أشخاص وجودهم في التنظيم إنما كان في سبيل البحث عن “همزة” ما تلوح في الأفق تهب نسائمها مع كل وافد جديد على قمة التنظيم، أو أتت بهم نعرة قبلية ما، لن تقود في آخر المطاف، إلا إلى التفكك والاندثار.
ماينبغي ان يشتغل عليه التنظيم الحزبي بالموازاة مع التنظيم الإداري والهيكلي، هو تأسيس مدرسة متفردة لها مناهج خاصة وتصور مرجعي متين، تهدف للإجابة على عدة أسئلة مرتبطة بهوية ومرجعية البناء ككل، وأيضا على سؤال مواصفات المنخرط المطلوب، هل هو مناضل دائم وفق أوصاف النضال، مناضل متشبع بالنظر الفكري والفلسفي للتنظيم، مناضل راسخ القدم في ساحة المخاصمة السياسية؟ أم مجرد منخرط ببطاقة يؤدي عنها دراهم معدودة، ليفر من الساحة مع أول صيحة خطيب مفوه، أو ينسحب على حين غفلة من أهل التنظيم مع أول عرض مغر من خارج التنظيم فيه وعد بمقام رفيع أو بعيش رغيد. المناضلون لاتحدد هويتهم البطائق الورقية أو الإلكترونية برموز ملونة أو تصنعهم المقرات عالية الجودة، الكبيرة والمكيفة haute standing، المناضل يصنعه الاحتكاك مع الألم والمعاناة؛ تصنعه برامج تكوين وتواصل لإقناعه أولا بجدوى وجوده في هذا الحزب وليس في ذاك؛ تصنعه خططات تدريب منخرط في الميدان بجانب المحتاجين له للدفاع عن قضايا الأمة الكبرى و عن قضايا الإنسان. تنظيم بدون هكذا تصور لا يعدو أن يكون مجرد ناد أو مقاولة ميكانيكية بدون قلب أو روح، تفتح وتغلق حسب مواعيد محددة ولا يمكنها أن تفلح في استمالة جماعة المغاربة ولو كانت الجن بجانبها. تنظيم كهذا لن يكون مصيره سوى الفشل الذريع لأنه ببساطة لايحمل أي نوع من القضايا المعيشة، مرتفع عن الواقع وليس له أي مشروع أو أي مواقف محددة ومؤسسة على إقناع نظري عميق، وسيكون واهما إذا اعتبر نفسه قوة فقط لأنه يملك أدوات مادية للظهور.

التنظيم يحتاج إلى أذرع قوية وصارمة في اتخاذ المواقف وفي صناعة توجه داخل المجتمع، هذه الأذرع يختلط فيها الثقافي بالفكري والإعلامي ولا يمكن أن نستثني منها الحقوقي بكل تلاوينه للدفاع عن الإنسان مناط رسالة الحزب، والتصدي لكل ما من شأنه أن يدوس الكرامة، خصوصا تلك السلوكات الناتجة عن المسؤولين الرسميين وعن الإدارة.
من هنا يحق أن نتسأءل هل يعي القائد السياسي المغربي حجم الرهان لصناعة تصور لإنتاج مناضل، أم فقط يركز كل مساعيه اكتساب تضخم عددي من خلال السعي إلى بناء تكتل بشري قد تهزه أول عاصفة أو أول احتكاك جدي في الميدان مع “المختلف” سياسيا وثقافيا أو مع المناضل المؤمن بعقيدة الدور الإنساني؟

* باحث في العلوم السياسية.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*