swiss replica watches
أما من أحد يترك موازين جانبا ويتضامن مع الجنود المقتولين غدرا؟ – سياسي

أما من أحد يترك موازين جانبا ويتضامن مع الجنود المقتولين غدرا؟

إدريس بنيعقوب

إذا كانت القوات المسلحة الملكية، “الخرساء الكبرى” لم تتحدث كثيرا ولم تسهب في تناول موضوع الجنود المغاربة الأمميين الذين قتلوا غدرا في جمهورية وسط إفريقا دفاعا عن قضايا إنسانية، فإننا قد نتفهم ذلك نظرا لطبيعة المؤسسة وإلى ميزتها التواصلية الهادئة غير الإشهارية، وأيضا إلى جنوحها نحو العمل والتفاني بدل اللغو والبهرجة السينمائية على غرار أهل “الفن السياسي” العاشقين للطبول والمزامير أينما حلوا وارتحلوا. هذا بجانب تملكها لعقيدة نفسية وتكوينية لا تقبل الظهور بمظهر الضحية والمنهزم، لكن أن يظل أبناء هذا البلد المدنيين صامتين عن هذا الحادث المؤلم، غير مبالين له، فهذا يطرح أكثر من تساؤل ويوحي بأكثر من إجابة محرجة.

القوات المسلحة الملكية هي أحد أهم رموز سيادة البلاد، وهي لبنة من لبنات الاستقرار والأمان، ملكتها الأمة السلاح بشكل شرعي ومشروع من أجل صيانة مصالح الأمة أينما وجدت و في سبيل حماية ترابه وخيراته. هذه المؤسسة التي لم يعد وجودها مرتبط بالانقلابات وتغيير الأنظمة بقدر ما أصبح لها دور وطني مواطن بناء، مواكب لخطوات قيادة البلاد في ملاقاة الشعوب والدول عبر العالم وتحديدا في افريقيا.

أن يموت جنود يحملون العلم المغربي في عمق القارة السمراء، التي عادت المملكة إلى حضنها بقوة، قبيل الذكرى الواحدة والستين لتأسيس المؤسسة دون أن يرف للمغاربة جفن على غرار مايعبرون عنه من تضامن في كل مناسبة شبيهة في شقها المدني، فهذا لعمري من جنس النكران والجحود وتقليل من قدر هذه المؤسسة وأبنائها.

فلنفترض أن هذا حدث لجنود أمريكان أو أوروبيين أو إسرائيليين أو أتراك ماذا كان سيحدث في بلدانهم؟ خروج للشوارع، كلمات تأبين، رفع الشموع والورود، زيارة عائلات الضحايا وغيرها من مظاهر الحزن والتضامن. في بلدنا لم يكلف البرلمان، المؤسسة السيادية الدستورية التي تنوب عن الأمة، نفسه عناء قراءة الفاتحة لدقيقة واحدة، ترحما على شهداء الوطن، وهو منهمك على قصعة الميزانية، وكأننا مازلنا نعيش فترة السبعينيات عندما كانت مصافحة ضباط الجيش شبهة توجب الاستنطاق.

لم نسمع صوتا للأحزاب السياسية التي عودتنا على نغمة المصلحة العليا للبلاد أم أن الجنود ليسوا زبائن للسياسة والانتخابات ، كما لم نرى للمجتمع المدني الحقوقي أو الإنساني حركة وهو الذي يشنف مسامعنا دائما بنغمات و مواعظ الحث على ثقافة التضامن مع المغدورين والمتضررين، أم أن هؤلاء الجنود جزء من آلة ولايمتون إلى البشر بصلة؟

لو حدث هذا عند شعب آخر يحترم ثقافة الإنسان عن جد، لأوقف فورا رقصه أمام منصات موازين، لينصب خيمات العزاء في الميادين، ولكن نحن أمام جماهير تسير أنى أمرت أو أشير لها، لاتعرف حقيقة ماذا يعني أن تفقد جنديا مقاتلا من أجل أن تحقق السلم والأمان لشعوب مقهورة لا تنعم بالأمن الذي ينعم به الراقصات والراقصون في موازين، لا تعرف قيمة جندي أخرس ملتزم بواجب التحفظ السياسي والإعلامي، ظانا أن خلفه أمة إنسانية ستبكيه وتضع على قبره أكاليل الزهور إن هو قضى أو غدر به بمناسبة مهمته الشريفة والنبيلة. هذه الواقعة تجعلنا نشك في معظم ماسبق من حشود للتضامن، بل تجعلنا موقنين أن جلها من مناسبات كبرى للتضامن في بلادنا على إثر اغتيال أو موت بسبب خطأ للدولة أو حتى تعذيب وغيره إنما كانت نزوات ونفاق أو أنها أقيمت لأهداف لاتمت لنبل قيمة التضامن بصلة ولا تمت لثقافة تقديس الإنسان في شيء.

التضامن مع الجنود المستشهدين دفاعا عن الإنسان وعن أمنه، أسمى شيء يتمناه المرء خصوصا في القارة الإفريقية، هو تضامن إنساني صرف مع الضحايا ومع عائلاتهم، وهو أيضا تضامن من باب الواجب الوطني بدون مقابل، تضامن تمليه الرغبة في العيش المشترك على هذه الأرض، تضامن مع رموز سيادة البلاد، و هو في نفس الوقت تضامن مع شهامة ونبل المغرب وشجاعته في خوض معارك من أجل الانسانية، تضامن بمثابة رسالة قوية لكل خصوم المملكة في القارة الذين تمنوا انسحابها من كل عمليات السلم هناك، لأنها عمليات تزيد من حب الشعوب لها بفضل حجم التضحيات واختلاط الدماء. رسالة التضامن لها عدة أبعاد إنسانية واجتماعية وسياسية، مفادها أن هذه الأمة فعلا على قلب رجل واحد كلما مس أحد أبنائها أمة تحترم الإنسان عن صدق بل وتقدسه، وأن شعارات حقوق الإنسان المرفوعة في شوارع الرباط هي فعلا ممارسات وعلاقات وجدانية مع الإنسان قبل كل شيء، وليست مجرد مزايدات للبيع والشراء.
رحم الله شهداء الوطن والإنسانية، وألهم ذويهم ورفاق دربهم الصبر والسلوان، وعوض الله هذه البلاد برجال أمثالهم مقبلين على التضحية، وقانعين بما قسم الله لهم من رزق كريم في بلاد آمنة.
إنا لله وإنا إليه راجعون.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*