الدمج المهني للأشخاص في وضعية إعاقة الذهنية: بين خطاب التكوين وضرورة التأهيل
*محمد منير
تعتقد العديد من الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة، أن مسألة الدمج المهني للأشخاص في وضعية إعاقة ذهنية رهينة بعامل السن في المرتبة الأولى، أي أنه بعد بلوغ المستفيدين من خدماتها سن 18 سنة يبدأ التفكير في إمكانيات دمجهم في سوق الشغل.
وتصطدم حينها بواقع مؤهلهم الدراسي الذي غالبا لا يسمح بولوجهم لمراكز التكوين المهني، و بما أن هذه الأخيرة غير مستعدة لاستقبالهم وذلك لمبررات عديدة، دأبت الجمعيات الحاضنة لهؤلاء على تأسيس تكوينات داخل مرافقها من قبل، البستنة، الطبخ، الحلويات، الحلاقة… وهي تكوينات و مهن أصبحت مع مرور الوقت لصيقة بالأشخاص في وضعية إعاقة ذهنية.
وعند توفر الإمكانيات و الدعم المالي يتم تدشين مراكز المساعدة على العمل centre d’aide par le travail (CIAT)، أو مطاعم يديرها أشخاص في وضعية إعاقة بمساعدة تقنيين محترفين، كالمطعم البيداغوجي للجمعية المغربية لمساندة الأشخاص حاملي التثلث الصبغي AMSAT أو المطعم البيداغوجي لجمعية هدف، أو مطعم المركز الوطني محمد السادس للأشخاص المعاقين، وكلها تجارب جيدة وطموحة وجب التنويه بها. غير أن فكرة الدمج في شموليتها تنبني على إخراج الأشخاص في وضعية إعاقة من قوقعه المراكز ووصاية الجمعيات، لمواجهة تحديات العالم الخارجي بما يعتريها من مشاكل ومطبات.
وقد بادرت العديد من المراكز و الجمعيات على خوض غمار هذه التجربة الجديدة في غصون السنوات الأخيرة.
غير أن الدمج بهاته الصيغة يعتريه تحدي كبير يتعلق بالتأهيل و نقصد هنا بالتأهيل محورين أساسين.
الأول يتعلق بالتواصل، حيث أن أغلب الشباب في وضعية إعاقة ذهنية المرشحين لشغر مناصب شغل مقترحة على الجمعيات يفتقدون للحد الأدنى للتواصل اللغوي في أماكن العمل، ويعزى هذا النقص في نظري للفترات الطويلة التي يقضونها داخل المراكز بمعزل عن الأقران، وافتقادهم لتجارب حياتية متنوعة، وتقتصر المفردات التي يستعملونها على تلك التي ألفو سماعها في الأماكن التي يترددون عليها، وبما أن الأماكن محصورة سلفا في المراكز التي تستقبلهم يوميا، يبقى الحقل اللغوي لأشخاص في وضعية إعاقة ذهنية حقلا ضعيفا نظرا لاقترانه بالحقل البصري و المعلومات الشحيحة التي يتلقونها.
أما المحور الثاني فيتعلق بمسألة الاستقلالية، حيث تبرز إلى الوجود في حالة تلقي عروض عمل على الجمعيات مسألة اختيار المرشح المناسب: الشخص الذي يستطيع التنقل إلى مكان العمل وحده، جيئة وذهابا، الشخص الذي يستطيع قضاء حاجياته من تنظيف و ملبس وأكل لوحده دون الحاجة إلى مساعدة، وهي مهارات ضرورية وأساسية وجب التفكير فيها، ووضع آليات لتطويرها، وكلما كانت في سن مبكرة كلما أتت بنتائج ملموسة.
لذى فإني أرى أن مسألة التأهيل مسألة ضرورية و ملحة تأتي في المرتبة الأولى قبل التكوين المهني، حيث أنه بدون تأهيل لا يمكننا الكلام عن التكوين.
*مؤطر تربوي وباحث في مجال الإعاقة الذهنية